علي تكنو المــديــر الــعام
رساله sms : عدد المساهمات : 1467
| موضوع: المحبة تدعوني الى قبول الذات ومحبتها الأحد 04 أكتوبر 2009, 9:32 am | |
| القسم الاول
اصل القبول؟ لماذا عليّ ان اقبل ذاتي واحبها؟ 1. الخلق ان اول تساؤل يطرحه الانسان على نفسه هو "من انا؟ من اين اتي؟ الى اين اذهب؟ ما هي غاية وجودي؟ من اين يأتي والى اين سينتهي الوجود؟" اي ان التساؤل الاساسي يكمن في "مصدر وغاية الوجود؟ (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 282). وعندما يحاول الانسان الاجابة على التساؤل فانه يصطدم باجوبة عديدة لا تعطي معنى لحياته ووجوده: - فمن جهة يركّز على تأليه الطبيعة ولكنه يهمل ذاته، يقدس الطبيعة والموجودات ولكنه يهمل قريبه، يرفع من مكانة المادة ولكنه ينزل من قيمة الانسان. - ومن جهة اخرى يحاول ان يجد الجواب في ذاته هو لكن بمعزل عن الطبيعة، فيؤلّه الانسان نفسه ولكنه يهمل وينسى قيمة الطبيعة، ويهتم بنفسه كثيرا الى درجة نسيان "اصله وغاية وجوده". ان هذه المحاولات والاجوبة لا تعبّر عن اصل الانسان ولا عن معنى وغاية وجوده، بل هي "غريبة" عن ذلك كله. فكيف نصل الى الجواب الشافي لاسئلتنا الوجودية؟! لكي نصل الى ذلك علينا الرجوع الى ابائنا واجدادنا في الايمان، الذي فهموا "قيمة الذات والانسان" انطلاقا من الخالق نفسه، الذي هو اصل وغاية الوجود الاخيرة. ان قيمة الانسان تكمن اذن في اصله وغايته، اي ان الله خلق كل شيء من اجل اظهار مجده واشراك الانسان في ذلك المجد. يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 294: "ان مجد الله هو الانسان الحي، وحياة الانسان هي رؤية الله، فان كان الكشف بالخلق وفّر الحياة لجميع الكائنات التي تعيش على الارض؛ فكم بالاحرى يوفّر ظهور الاب بالكلمة الحياة للذين يرون الله" (القديس ايريناوس). كل الخليقة، اذن، مكرسة ومعدة للانسان "آدم ... انت سمّي المخلوقات باسمائها!". ان الانسان عظيم جدا في نظر الله الخالق، وهذا ما يعكسه لنا ايماننا، اي: ان الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله. ان الانسان يشترك في العمل والخلق. ان الانسان يشترك في الاعتناء بالخليقة مع الله.
أ. الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله الا يشكّل هذا سببا كبيرا لمحبتنا لذاتنا وقبولنا اياها؟ فالانسان، انا وانت، مدعو الى ان يعكس "حضور الله الفعلي في العالم، ولديه القابلية على ذلك، لانه قادر على الله اي قادر على الانفتاح وقبول وتحقيق تلك الصورة والمثال في حياته". الانسان مدعو وقادر على الوصول الى الغاية التي من اجلها وُجد "ان يكون كاملا كما ان خالقه كامل". اليس هذا عظيم يا انسان! لكن... ما الذي يمنعني من تحقيق ذلك؟ ب. الانسان يشترك في العمل والخلق ان الذي يمنع تحقيق تلك الغاية السامية هو "ان الانسان يناقض نفسه ويرفض تلك الغاية التي من اجلها وُجد "اي ان يعكس مجد الله وعظمته من خلال حياته ووجوده المحدود"! فعوض ان يكمل العمل والخلق يبدأ الانسان "بتقويض وهدم كل ما رتبّه الله" فيعطي للمخلوقات مكانة اكبر من مكانة الله "ان اصير الها وتنفتح عيني!" كما انه يعطي اهمية لكلمة مخلوقة (الحية) اكثر من كلمة الله (خالق تلك الحية). وهذا غريب جدا على الانسان، لان الفوضى والتناقض هذا لا يوصلانه الى غايته الاخيرة "الكمال" وبالتالي فان الانسان بهذا العمل "لا يقبل ذاته، لانه لا يحب ذاته بطريقة صحيحة، اي ان تكون مخلوقة، معتمدة كليا على الخالق، تجد معناها في الامور الاكثر كمالا (الله) وليس في الامور الاكثر نقصا". بكلام اخر، ان القبول الصحيح للذات من قبلنا نحن البشر لا يعني الانغلاق والاكتفاء بما نريده ونبتغي اليه نحن؛ بل ان نبحث عن كل ما يحقق ذاتنا ويجعلنا اكثر انسانية، وبالتالي اكثر "قربا من صورة الله ومثاله"! عندما نعطي لكل شيء في حياتنا "مكانته الصحيحة" (المادة، العالم، الانسان) فاننا نعطي لذاتنا حقها وكرامتها ايضا وبالتالي نبحث عن كل ما يحقق انسانيتنا اكثر "الخالق". ان رجعنا الى اعماق ذواتنا لسمعنا صوت الله يقول لكل منا: "آدم، اين انت؟ لا تختفي من امام وجهي، فانت قادر على بلوغ كمالك، لاني انا من صنعتك ولذلك اعرفك جيدا اكثر من ذاتك، نعمتي تكفيك، ثق بي". ت. الانسان يشترك في الاعتناء بالخليقة مع الله ان الانسان قادر على الاعتناء بذاته، قبولها وحبها ليس لانه يقرر ذلك، او انه تعلم ذلك منذ صغره؛ بل لان اصله يعتني بخلقته جدا. فنحن نمتلك هذا البعد المهم من خالقنا "الاعتناء". لكن... ما الذي نقصده بهذا؟! نقصد بالاعتناء ان الانسان قادر على حفظ مسيرة الامور والموجودات بشكلها الصحيح اي ايصالها الى غايتها المنشودة الا وهي "ان تعكس مجد الخالق من خلال بساطتها وشفافيتها". والانسان قادر على الاعتناء بذاته ايضا عندما يحافظ عليها من عدم "اهمال وتشويه تلك الصورة والمثال" اللتان خلقهما الله فيه لكيما يعكس حضور الخالق في العالم. يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 339: "كل خليقة تمتلك جودتها وكمالها الذاتيين. ولكل من صنائع الايام الستة قيل: "ورأى الله ذلك انه حسن". فبواقع عمل الخلق نفسه تنتظم الاشياء كلها في شتى مقوماتها وحقيقتها وصلاحيتها ونواميسها وانظمتها الخاصة. الخلائق المختلفة، وقد ارادها الله في كيانها الخاص، تعكس، كل على طريقتها، شعاعا من حكمته وجودته الغير المتناهيتين. ولهذا وجب على الانسان ان يحترم لكل خليقة جودتها الخاصة، لكي يتجنب استعمال الاشياء استعمالا فوضويا يزدري الخالق ويجر البشر وعلى بيئتهم عواقب وخيمة". اما الفقرة 343 فتؤكد على: "هرمية الخلائق [...] من الاقل كمالا الى الاكثر كمالا. الله يحب جميع خلائقه، ويعتني بكل واحدة منها، حتى اصغر العصافير. ومع ذلك فيسوع يقول: "انتم افضل من عصافير كثيرة" (لو12/7)". فكم هو عظيم الانسان في عين الله؟ فلنفكر بذلك!
2. التجسد ان السؤال الاساسي الاخر الذي يطرحه الانسان على نفسه يكمن في ما يلي: "بعد ان عرفت ووصلت الى ادراك وجود خالق للعالم يهتم بي ويعتني بي؛ ترى كيف يمكنني ان اتعرف عليه عن قرب اكثر؟ ان التقي به في حياتي اليومية؟ باي اسم استطيع مناداته؟ واين؟ كيف يمكنني ان اتأكد من كوني شخصيا مهما لديه في هذا العالم الواسع؟ يعلمنا الايمان المسيحي بان الله احب خلقته لدرجة كبيرة (للغاية) حتى انه "ضرب خيمته فيما بيننا واتخذ مسكنا في وسطنا". ترى كيف يمكن هذا؟ واي خيمة هذه؟ "نحن البشر"! هذا عظيم جدا! الله يدرك تماما باننا؛ بمحدوديتنا وضعفنا وحدودنا الزمنية-المكانية، لا يمكننا بلوغه، لكنه هو الله قادر على ان يتجاوز هذه الحدود وهذا الضعف مكلّما ايانا نحن البشر "بلغة، ثقافة، مجتمع" بحيث يمكننا ان نفهمه، نراه، نسمعه، نلمسه ونشعر بوجوده! (راجع يو1/14، 16).لم ولن يملك الله وسيلة افضل للكلام معنا والتقرب الينا سوى من خلال جنسنا البشري، من خلالي وخلالك انت! فكر بعظمتك يا انسان ومنزلتك عند الله! هناك انسان واحد في تاريخ البشرية نجح في تحقيق هذه الغاية السامية بين الله والبشر، اي ان يملك الله على حياته كليا، الى درجة اصبحنا نحن البشر نرى فيه وباعماله واقواله "حضورا فعليا لله". هذا الانسان ندعوه "يسوع"! هذا الانسان من الناصرة، ولد في زمان ومكان معينين (انظر الاناجيل) من امراة تدعى مريم، عاش، عمل، اختبر، اعترض، قبل، حكم عليه، تم تنفيذ الحكم، صلب، مات! انتهت حياة هذا الانسان! لكن، لماذا استمر اسمه الى يومنا هذا؟ ما الذي فعله من خارق حتى يتم ذكره للابد؟ ما الذي اختلف به وميزه عني وعنك ايها الانسان؟ يسوع هو الشخص الذي اعطى لوجوده القيمة الاصلية، واعطى للاشياء مكانتها الصحيحة، واعطى للاخر مكانه المناسب، فاعطى لله، بالتالي، مكانته الاصيلة في حياته. يسوع الناصري انسان احب ذاته وقبلها بدرجة كبيرة ليس بانغلاقه على نفسه بل احب حضور وعمل الله في حياته ولذلك حاول بكل قوته وقلبه ان يعكس ذلك الحضور والعمل في العالم "من رآني رأى الاب"، "ان تعليمي ليس مني بل ممن ارسلني" (يو7/16). فنجاح يسوع لم يتأتى الا من كونه انسانا بمعنى الكلمة، اي عاش ابعاد انسانيته وقبلها بحرية وبارادة كبيرة وبالتالي "جسّد حضور الله الفعلي" في حياته، فهو "ابن الله، الازلي، الذي يعرف ارادة ابيه ويعلمها للناس بلغتهم وثقافتهم". ونحن البشر لكي نفهم انفسنا وقابلياتنا علينا ان ننظر الى يسوع الذي وحده يعرف من هو الانسان وعلى ماذا قادر على العمل والتحقيق، ليس لانه ابن الله فقط بل لانه "من الناصرة" وذلك قريب منا جدا جدا! فان عرفناه عن قرب عرفنا ابيه "حقا هو ابن الله الازلي". عندما يعطي يسوع لحياته ولعلاقاته مكانتهما الصحيحة فانه يعطي لله مكانته الصحيحة ايضا "قدوس والكل له، وليس هناك اخر يشغل مكانه في حياتي". ولذلك فان الله يقدس عبده ويرسله للعالم (يو10/36). ان يسوع، كما يقدمه الانجيل لنا، انسان وضع ثقته كليا بالاب ودعى التلاميذ ايضا ليضعوا ثقتهم بانفسهم وبحضور قوة الاب فيهم. ولذلك لن يكون للطبيعة وللامراض وللموت والخطيئة سلطان عليهم لان "صاحب وسيد هذه كلها حاضر معهم". يسوع انسان حر وعاش حريته بطريقة اصيلة: اي لم يفعل ما يريده هو، بل يفعل كل ما يجعله اكثر انسانا واكثر شفافية امام عمل الله فيه "لتكن مشيئتك لا مشيئتي". يسوع يختار كل ما يعكس حب الله للبشر، لذلك لا يتكلم ان لم يصلي، يختلي بذاته، يشكر الاب على نعمه وقوته وروحه الذي يرافقه في مسيرته "روح الرب علي". ماذا نقول اذن؟ علينا حب ذاتنا وقبولها لان الله، من خلال يسوع ابنه، اراد: ان نعرف محبته لنا (1يو/9؛ يو3/16). ان يكون مثالا لنا في القداسة (متى11/29؛ مر9/7؛ يو14/16) ان يجعلنا شركاء في الطبيعة الالهية (2بط1/4). يقول القديس ايريناوس: "فهذا هو السبب الذي من اجله صار الكلمة بشرا، وابن الله ابن الانسان؛ لكي يصير الانسان ابن الله بدخوله في الشركة مع الكلمة ونيله هكذا النبوة الالهية" (الرد على الهرطقات 3، 19، 1).
ترى، كيف نقبل ذواتنا مثلما فعل يسوع؟ يجيب القديس بولس على هذا السؤال ويقول لنا: "ليكن فيكم من الاستعدادات ما هو في المسيح يسوع [...] وضع نفسه وصار طائعا حتى الموت، موت الصليب" (فيل2/5-9). ولذلك رفعه الله، ونحن نؤمن به ابن الله الازلي. لنتذكر، من لا يقبل ذاته ويحبها فانه لا يقبل ولا يحب صاحبها وخالقها، ولا يعطي لله مكانته الخاصة. فقبول الذات يعني قبول "محدوديتها وضعفها" وبالتالي الاستعداد لقبول "اللامحدود واللامتناهي اي القدوس".
3. هياكل الروح القدس نقبل ذواتنا ونحبها لاننا هياكل الروح القدس. فكل ما تكلمنا عنه فيما سبق يتم ويتحقق بقوة الروح القدس "روح الله، روح ابنه". إذ لا نعرف ما فعل الله لنا دون روحه القدوس (1كور2/11)، وهذا الروح هو الذي يكشف لنا ايضا من هو يسوع ولماذا ندعوه ابن الله. ان هذا الروح هو الذي ينطق فينا كما نطق بالانبياء. هذا الروح هو الذي يقلب موازين الاشياء والاحداث: يساعدنا على قبول محدوديتنا من جهة ، ومن جهة اخرى يساعدنا على الانفتاح امام اللامحدود. يساعدنا على قبول ضعفنا من جهة، ومن جهة اخرى يساعدنا على قبول القوة الداخلية النابعة من العمق. يساعدنا على قبول جنسنا الفاني من جهة ، ومن جهة اخرى يساعدنا على قبول خلوده وابديته بالرجاء الالهي. يساعدنا على قبول فسادنا وتشويهنا للذات من جهة ، ومن جهة اخرى يساعدنا على اعادة بهاء الصورة والمثال الالهي بالنعمة. بكلام اخر، نحن نقبل ذواتنا لان الروح لا يستطيع العمل دون قبولنا لذاتنا بشكل صحيح. اي ان الروح لا يستقر ان لم يكن هناك "هيكلا" مقدسا مهيئا له. ترى اين نجد كمال هذا الهيكل؟ مريم العذراء هي "الهيكل المثالي" لعمل الروح القدس لانها قبلت العمل مع الروح بقبول ذاتها وضعفها، وهذين الاخيرين هما السبب الاساسي لقوتها واختيار الله لها اما لابنه القدوس "القبول والاعتماد". ان كل التدبير الالهي قائم على "اشخاص" قبلوا ذواتهم بطريقة صحيحة، اي ادركوا اعتمادهم الكبير على الله الخالق، ادركوا ان معنى حياتهم موجود في الله، وان خلاصهم هو بقبول كلمته. ونحن ايضا، نقبل ذواتنا لاننا نقبل بارينا وكلمته من خلال الروح الذي فينا والذي به نحيا، نتحرك ونعيش. ان يقبل الانسان ذاته فهذا ليس "فعلا عقليا ونفسيا" فقط، بل هو اعمق بكثير، فالانسان يستطيع ان يرفض ذاته ويكرهها ان كانت ملكه "اي هو الذي اوجدها وينهيها"! وهذا مستحيل. الانسان يقبل ذاته لانها "هبة مجانية" من "اخر" ويقبلها لانه من خلالها يستطيع ان يكشف ذلك الاخر (الله). ان الانسان موجود بقدر ما يقبل ذاته، يستطيع ان يترك ويهمل امورا عديدة في حياته الا ذاته، يستطيع ان يرفض وينكر امورا عديدة في حياته الا ذاته فلا يستطيع. لان الانسان الذي يرفض ذاته ليس انسانا بعد.
4. خلاصة القسم الاول • لا يمكن الكلام عن الخلق والله الخالق الا من خلال الانسان، لانه هدف الخلقة، فكل شيء تهيأ له لكي يشارك الله في مجده. ولذلك يزمر المزمر: "من هو الانسان حتى تذكره ومن هو حتى تفتقده". • كل ما كلمنا ويكلمنا به الله لا يتم الا بلغة ومكان معروفين من قبل الانسان والا اصبح الاخير غريبا عن الله. فالله يكيف نفسه وينزل من نفسه الى درجة "اخلى ذاته" من اجل الانسان، وهذا ما نعبّر عنه في عقيدة التجسد "الله اصبح انسانا وعاش فيما بيننا". • كل طاقات الانسان وقابلياته الفكرية، النفسية والروحية هي هبة (نعمة) من الله. فان اعطى الانسان مجالا واسعا لها لقادته الى تحقيق "الصورة والمثال" اللذين رسمهما الله للانسان. وهذه القابلية والنعمة هي "الروح القدس".
القسم الثاني
نتائج القبول الصحيح الذات ومحبتها
ان لقبول الذات الصحيح نتائج كبيرة في الحياة اليومية وعلاقات الانسان مع ذاته، الاخر والعالم. فقبول الذات بالشكل الصحيح، كما اشرنا اليه في القسم الاول، يعني العودة الى الذات الاصيلة وعلاقتها بالاب والابن والروح القدس. وهذا الشكل من القبول يؤدي بنا الى نتائج اساسية. نذكر اهمها: ادراك المعنى العميق للحرية. ادراك المعنى العميق للمسؤولية. اعطاء لكل شيء قيمته ومكانته في حياتنا. الوصول الى ايمان ناضج وواعي. ان هذه النتائج تحتاج الى شرح مفصل وواسع، وربما لمحاضرة طويلة اخرى، لكننا سنكتفي بذكر النقاط التي تساعدنا على فهمها.
1. ادراك المعنى العميق للحرية قد نقول للوهلة الاولى ونفهم الحرية بانها "قابلية الانسان على اختيار واتخاذ قرار (موقف) ما تجاه مسألة او موضوع معين او رفضه. ولكن هذا المفهوم لا يعبّر تماما عن المعنى العميق للحرية والذي نبحث عنه. ان الحرية تعني القرار الاصيل والاساسي الذي يتخذه الانسان عندما يحقق ذاته بشكل صحيح من خلال ذلك القرار. بكلام اخر، الحرية هي قدرة الانسان على "تحقيق ذاته". فلنأتي بمثال كتابي (بشكل مبسط كثيرا!): حرية ادم وحواء تكمن في قرارهما بسماع كلام الحية والبحث عن مصدر اخر للالوهية بعيدا عن مصدر وجودهما الله الخالق! فقرارهما لا يقودهما بالتالي الى "تحقيق ذاتهما" بل الى "هدم ذاتهما" لانهما ابتعدا عن "اصل ومصدر الذات". ام حرية يسوع ومريم فتختلف تماما، هما لا يختاران ويقرران ما يريدان، بل ما يحقق ذاتهما ويوصلهما الى "المعنى الصحيح للوجود" اي الخضوع لله (انا امة الرب) والوثوق به (لتكن مشيئتك لا مشيئتي). وهذا القرار لا يتغير حتى لو كان على حساب حياتهما. ان حرية الانسان مستمَدة من حرية الله، فالله حر في خلقه وفي تدبيره الخلاصي، حر بمعنى انه يأخذ على عاتقه العالم وتدبيره ويعكس مجده وحضوره في خلقته. والانسان يمتلك حرية اي انه قادر على اختيار كل ما يحقق انسانيته وليس سواها!.
2. ادراك المعنى العميق للمسؤولية بمجرد ان نأتي لذكر مفردات كـ "مسؤولية/مسؤول" تتبادر الى ذهننا مفردات ملازمة كـ "سلطة/ادارة"! فهذا الشخص مثلا مسؤول على هذه الجماعة يعني انه "صاحب القرار والسلطة هنا/ سيد علينا" فهو المسؤول هنا! ان المعنى العميق للمسؤولية مختلف تماما. مسؤول (مفعول به/ مثل مخلوق، مصنوع الخ) تعني ان الشخص القائم بهذا العمل سيُسأَل من قبل اخر: "ماذا فعلت؟ وكيف؟ ومتى؟ واين؟ ولماذا" وبالتالي عليه ان يكون ساهرا وخادما ومستعدا للجواب. فالانسان الذي يقبل ذاته يصبح مسؤولا على ذاته اي ان الله سيسأله: "آدم ... اين انت؟ ماذا فعلت؟". يسوع مسؤول عن وجوده ولذلك يجيب على سؤال الله: "ها انذا .. كل شيء لك ولمجدك".
3. اعطاء لكل شيء قيمته ومكانته في حياتنا من يقبل ذاته يقبل ان تكون كل الامور والاشياء في مكانها الصحيح. فلا يقبل بان تأخذ المادة مكان الانسان والعكس صحيح. ولا يقبل بان يأخذ الانسان مكان الله والعكس صحيح. ولفهم ذلك نأتي بمثال كتابي اخر (مبسط كثيرا!): ادم يفشل في اعطاء لكل شيء مكانته الصحيحة في حياته، فهو يعمل فوضى في كل ما رتبه الله له في الخلقة! اي انه يعطي للخليقة مكانة الله الذي اوجدها، يريد ان تنفتح عينيه ليصبح مثل الله! ويرفض ان يكون انسانا على صورة الله ومثاله! اما يسوع فيعيد ترتيب الاشياء وترتيب الخلقة من جديد. يعطي للانسان، العالم، الاخر قيمتهم ومكانتهم الصحيحة في حياته. فهو يرفض ان تصبح الحجارة خبزا! ويرفض ان يسجد لخليقة! ويرفض ان يسمع لصوت سوى صوت الله!
4. الوصول الى ايمان ناضج وواعي ان قبول الذات يقودنا الى ايمان ناضج. فالايمان هو "ثقة وتسليم" بكلام او حقيقة يكشفها الاخر لي لان صاحبها مصدر ثقة ولان ما يكشفه يعطي معنى لوجودي. ان قبول الذات يعني قبول حقيقة كون الله مصدر وجودي وان معنى الوجود تجلى لي بابنه يسوع بصورة كاملة وانني مدعو الى عيش ذلك التجلي في حياتي بقوة الروح القدس. ان هذا لا يحتاج الى "تعقل ومنطق" فقط بل الى قفزة اعظم هي "ثقة واستسلام كلي" للقدوس الذي هو "مصدر-قوة-غاية" الذات. فهناك المحبة، الرجاء والايمان، ولكن اعظمهم "المحبة | |
|