شهدت بيروت مؤتمراً عن "المرأة العربية والمستقبل" في فندق فينيسيا، شاركت فيه نحو 150 إمرأة من الدول العربية يمثلن ناشطات في المجتمع المدني والأهلي، بالإضافة الى سيدات بارزات في العمل الفني كالمخرجة المصرية إيناس الدغيدي المعروفة بجرأة أفلامها، والشهيرات في العمل السياسي كالدكتورة الفلسطينية حنان العشراوي.
المؤتمر استضاف في احدى جلساته رجالاً تحت عنوان "رجال يتحدثون عن المرأة".
يوسف بزي ساهم بهذه الشهادة:
آخر خبر أنه تكفي المرأة عين واحدة. نحن على الأرجح على بعد خطوات قليلة من "الحل النهائي": الوأد الشامل.
إنسوا ما ذكرت، فلست في وارد التعداد الطويل الممّل لمشكلات المرأة في العالم العربي، أنا في نظركم رجل.. وهذه ليست مهمتي.
ما أود الإشارة اليه سريعاً أن الصديق حازم صاغية رمى لي على طاولة المقهى قبل يومين ملاحظة مقتضبة: نساؤنا لم يعرفن الثورة الجنسية التي حدثت في العالم أواسط الستينات، ولم يعرفن أيضاً الحركة النسوية المنطلقة مطلع السبعينات. هذه الملاحظة اضعها برسم هذا المؤتمر.
ما يدهشني ان نساءنا، حتى حين خرجن الى العمل منذ منتصف العشرينات، فهن لم يخرجن من منزل الأهل حتى اليوم. في لبنان خرجن باكراً الى المعامل، خرجن الى "الكراخانات" في القرن التاسع عشر. وعليكم ان تعرفوا لماذا باتت معامل الحرير هذه تعني لغوياً مكاناً موبوءاً.
في الوقت الحاضر هناك ما يسمى بـ "الجندرة"، وأعتقد انه لم يجد طريقة بعد الى أفهام نسوتنا، ناهيكم عن الالتباس البنيوي لكلمة "جندرة"، التباس متأصل فيه عدا عن كسلي وتقصيري في بذل أي جهد فعلي لفهمه. لذا أعتذر لكم عن شرحه.
لست قادراً أن ألعب دور "رجل يتحدث الى النساء"، لكنني أتذكر الان حركة نزع الحجاب المبتدئة في مطالع القرن الماضي وقد انتهت الآن الى حمى تحجّب وتنقّب لا يبدو الا انها ستزداد زخماً وانتشاراً.
لست في وارد تحليل هستيريا التحرش الجماعي الذكوري بفتيات ونساء شوارع القاهرة، ولا جنون الانتحاريات في بغداد، لست بصدد فك لغز المريضة الأفغانية التي لا يجوز لرجل فحصها وفي الوقت نفسه لا يجوز لمطلق إمرأة بمن فيهن الطبيبات العمل أو الخروج من المنزل، ولا يجوز أصلاً للفتيات التعلم. لست بصدد إيجاد حل لفتيات المدرسة المحترقة إذ منعاً للاختلاط لا يحق لرجال الاطفاء الدخول الى حرم المدرسة.
الأهم، أنني هنا لست في وارد وضع تعريف لـ"المرأة العربية" (فلست مؤمناً بالعروبة) أو إيجاد نموذج جامع: لست أدري عن أي امرأة هي مثال هذا المؤتمر، أهي الثرية، المتعلمة، العاملة، الأمية، العانس، المتحررة، المقتولة غسلاً للشرف، ربة المنزل، الراقصة، النجمة السينمائية، فتاة الفيديو كليب، الاستاذة الجامعية، السافرة، المنقبة بالكامل أو المتحجبة "لايت" مع جينز ضيق، ابنة ريف أم ابنة مدينة، المليئة بالسيليكون والبوتوكس، أم التي تسعى الى الجنة بانتحار تفجيري، التي تبحث عن ثري لـ "يقتنيها"، أو التي تحلم بحريتها الشخصية، التي ترضى بتعدد الزوجات، الفنانة "التائبة"، أو التي تصب على نفسها الان البنزين في حمام منزلها باحدى عشوائيات المدن العربية. المرأة التي لا تتكلم ولا تسمع ولا ترى، التي لا تخرج، التي لا ينطفئ هاتفها الخلوي، التي تهاجر الآن يأساً وقرفاً، أو التي تخاف كلما مشت وحدها في الشارع، والتي تخاف الله وأباها وزوجها وأخاها وعمها وإبنها ورجل الشرطة وسائق الباص وأستاذها ورب عملها وزميلها.. التي تخاف الزواج اصلاً وتخاف ان لا يتزوجها أحد... المرأة التي تخاف فقط.
لست بصدد الحديث عن "المرأة العربية والمستقبل"، ولست بصدد الحديث عن الخوف، عن هذا الرعب الذي أراه الآن على وجه المغنية سوزان تميم غير البريء، الوجه المذبوح، الوجه الخادع والمخدوع.. لا، لن أتكلم عن كل هذا، لكني أتذكر المشهد المتكرر على كورنيش المنارة هنا في بيروت حيث كل فتاة يعانقها خطيبها عناقاً ثقيلاً طوال المشوار، كأنه "يتمرن" على الزواج، يتمرن على قطع عنقها، يلف ذراعه على رقبتها بالكامل واضعاً ثقل رأسه وكتفه وقوة عضلات زنده عليها، ولا يلزمه سوى ان يشد قليلاً حتى يعصرها.
عين واحدة تكفي المرأة، كان هذا آخر خبر. وأتذكر الآن ذاك الشعار الذي ارتفع في ثمانينات شوارع بيروت الحرب: "حجابك يا أختي أغلى من دمي". وبالفعل، حينها كان الدم بلا سعر تقريباً.
لست هنا لأحدثكم لا عن مشاكل المرأة ولا عن الخوف ولا عن الحجاب لكنني أتذكر شاعراً معروفاً يجلس في المقهى ويروح يقول بنبرة الالهام والوحي: "المرا، المرا، شغلة حلوة بالحياة". عندها كنت اتعاطف مع السحاقيات.
حضرات المشاركات في هذا المؤتمر، بصراحة لست من "مناصري" النساء، أنا من مناصري نفسي، ذاك أنني أعمل يومياً بشتى الوسائل: الكتابة، العمل السياسي، النشاط العام (هذا المنتدى مثلا)، السلوك الاجتماعي وتعبيراته، نمط حياتي وطريقة تفكيري.. كلها مكرسة لتحصين فرديتي، حقي الدائم في حرية الاختيار وحرية القول وحرية التعبير، حقي في أن أكون مساهماً في تشكيل شرعية سياسية لدولتي، حقي في الاقتراع والمحاسبة، حقي الأخلاقي في أن أكون أنا المسؤول عن نفسي وروحي وجسدي، وحقي الطبيعي في الجنس والطعام والملبس والرفاه، وحقي الاجتماعي في البحث عن السعادة، وحقي القانوني أن أكون سيدا مصيريا والمسؤول الأول والأخير عن أفعالي، وأن لا أكون تابعاً لأحد.
بمعنى آخر، أنا أؤيد ذاتي في سعيي لأكون "مواطناً"، فرداً أتمتع لا بالعقل أو بالعاطفة فحسب بل بما يسمى "الارادة الحرة". وعذراً لأنني لن أحدثكم عن مشاكل المرأة العربية