إن الجواب البديهي على هذا السؤال هو أن الدين المسيحي لا يجيز الطلاق بين الزوجين، لأن الزواج رباط مقدّس مُرتّب من الله.
- وللإجابة على هذا السؤال بشكل واضح ينبغي إعطاء وجهة النظر الكاملة حول هذا الموضوع، لا سيما وأن هناك اجتهادات خطيرة من بعض الناس يجوزون الطلاق فيها أو يبررون قرار الطلاق .
- وعلى هذا الأساس، فإنه يجدر بنا قبل التكلم عن الطلاق، أن نعرّف الزواج أولاً بحسب المفهوم المسيحي.
فالزواج بحسب هذا المفهوم هو رباط مقدس، وارتباط بين شخصين، رجل وامرأة وُجدا ليتكاملا في جو من القدسية والمحبة والتفاهم والانسجام والعطاء والتضحية. وعليهما أن يعيشا معاً، ويحافظا على مبادئهما المسيحية في السرّاء والضراء، في أيام العسر واليُسر.
والكنيسة المسيحية في كل تاريخها علمت أن زواج الرجل ينبغي أن يكون بامرأة واحدة مدى الحياة، وأن يكون كل من الزوجين، أميناً لعهود الزوجية المقدسة. وقد اهتمت الديانة المسيحية بالزواج، وجعلته من المقدسات الدينية، فمنعت تعدّد الزوجات وحرّمته، كما حرّمت الطلاق مبدئياً كقاعدة عامة.
وذلك استناداً إلى ما قاله السيد المسيح عندما جاء إليه الفريسيون ليجرّبوه قائلين له:
" هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال: من أجل هذا يترك الرجل وأباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً؟ إذاً ليسا بعد اثنان، بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.
قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق؟ قال لمهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم آّن لكم أن تُطلقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هذا. وأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني" (متى 19:3-9).
إن الزواج في المسيحية يقوم على أسس جوهرية نلخصها بما يلي:
أولاً: القدسية : فالزواج المسيحي المبني على كلمة الله، هو رباط مقدس.
ثانياً: الوحدة والاتحاد : الوحدة تقوم على أساس أن يتخذ الرجل الواحد امرأة واحدة فقد جاء في رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس: "ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها" (1كورنثوس 7:2).
ثالثاً: المحبة واحترام: أن يقوم الزواج المسيحي على أساس المحبة والاحترام والتفاهم المتبادل بين الزوجين (أفسس 5).
رابعاً: الثبات وعدم الانحلال: وهذا يعني أن الزواج يجب أن يدوم ولا يُحلّ بقوة سلطان بشري إلا بالموت.
هذه هي أهم الأسس للزواج المسيحي المثالي.
ولكن هناك حالات يكون ن نتيجتها تصدّع بنيان الزواج أو تفسّخه، لذلك لابد من إيجاد وسائل لمعالجة مثل هذه الحالات معالجة فعّالة، وبناء عليه، فقد أُسندت معالجة مثل هذه الحالات إلى المحاكم الروحية الكنيسة، لإيجاد التشريعات المناسبة لتبرير الطلاق، أو فسخ الزواج أو بطلانه، والتي هي بالنتيجة شيء واحد، (إلا أنه يسمى طلاقاً بالنسبة للبعض في حالة الزنى فقط، ولا يحقّ لمن طُلّق بسبب الزنى أن يتزوج ثانية، بينما يجوز ذلك في الحالات الأخرى).
ومع أن المرجع الأول الذي يُعتمد عليه لتبرير الطلاق، هو الكتاب المقدس، الذي ينص في أكثر من موضع على أن "من طلّق امرأته إلا لعلة الزنى، يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني" (متى 5:32). فمع ذلك اضطرت الكنيسة لوضع تشريعات واجتهادات خاصة لمعالجة موضوع الزواج الفاشل، الذي يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم وشقاء، ومن هذه الاجتهادات والتشريعات:
1 - حالة الزنى، عند اقتراف أحد الطرفين جريمة الزنى وتدنيس قدسية الزواج.
2 - إصابة أحد الزوجين بالجنون والانفعالات النفسية الشديدة التي لا يمكن شفاؤها والتي تشكّل خطراً على الحياة الزوجية والأولاد فيما بعد.
3 - عند ترك الزوجين بيت الزوجية، دون إذن أو علم الآخر، ودوام ذلك لفترة طويلة قد تكون ثلاث سنوات أو أكثر (عند بعض الطوائف).
5 - عندما يكون زواج أحد الطرفين من الآخر بالإكراه ودون موافقته ورضاه.
بالإضافة إلى ذلك، هناك آراء وأفكار لا تقبلها المسيحية حول الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق أو فسخ الزواج، ومنها عدم الانسجام الجسدي الذي يؤثر على السعادة الزوجية. وقد ذهب البعض إلى أن اختلاف الدين بين الزوجين أو العجز الجنسي الدائم، أو كل ما يسبب تصدّع صرح الزوجية، هو سبب كافٍ للطلاق. إلا أن المسيحية بشكل عام، لا تقبل بالطلاق المعلّق على الأهواء والنزعات الخاصة أو النزوات أو التراضي والاتفاق بين الزوجين على الطلاق، إذ يجب أن تكون هناك أسباب هامة تؤدي إلى ذلك، ويعود تقديرها للمحاكم الروحية لدى الطوائف المسيحية. ومما يجدر ذكره أن بعض الطوائف المسيحية لا تجيز الطلاق، لأن الشريكين قد صارا في الزواج المقدس جسداً واحداً، لا يجوز الفصل بينهما مهما تكن الأسباب. ولهذا فهي تقرّر الهجر بين الزوجين لمدة طويلة يختبر فيها كل من الطرفين نفسه، على أمل أن يكون هناك مجال لعودة الوفاق بينهما. وليس هناك قانون عام أو قاعدة عامة يجوز الطلاق بموجبها، بل إن كل حالة تؤخذ على حدة يقرر بشأنها بحسب الموجبات المؤدية إلى الخلاف والحل الذي ترتئيه المحكمة الروحية المولجة بشئون الأحوال الشخصية.
ومع أن الطلاق مرفوض في الدين المسيحي، لأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، إلا أن هناك وجهات نظر أخرى تحاول معالجة هذا الموضوع، لإيجاد منفذ لحالات يستعصى فيها على الإطلاق الجمع بين اثنين، واستمرار حياتهما معاً، على أساس أن التعاليم المسيحية ليست جامدة، وتهتم بالروح بدل الحرف. فإذا كان لا يمكن الجمع بين اثنين في محبة ووفاق، فهل من العدل والحكمة أن يبقيا معاً في حياة لا تُطاق؟
وخلاصة القول، إن الأساس للأسرة المسيحية المثالية بالنسبة للحياة الزوجية هو مبدأ عدم الطلاق، وهذا حق، ولكن في المقابل يجب عدم نسيان ناموس الرحمة والمحبة.
فالطلاق هو شر، والعيش في جوّ من الحقد والضغينة والكراهية وسوء التفاهم الدائم والتشنج هو شرّ أيضاً، وفي هذه الحالات الشاذة يمكن اختيار أهون الشرّين، وهو فسخ عقد الزواج أو ما يُعرف بالطلاق.
بهذا نلاحظ أن الديانة المسيحية تقدّس الزواج بين الرجل والمرأة تقديساً كاملاً، ولا تشجّع - بل تحرّم - الطلاق في الحالات التي يمكن فيها إنقاذ هذا الزواج، لأن ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان. وأن الطلاق - إن حدث - فهو معالجة لأمور شاذة لا يمكن إصلاحها.
فالمسيحية تُكرّم المجتمع والأسرة وحياة الأطفال، وتنادي بقدسية الزواج ليعيش الجميع في محبة وتفاهم ووئام في ظل راية المسيح، داعية المحبة، ورئيس السلام، الذي يساعدنا على أن نحيا حياة مثالية عندما ننظر إليه كمدبّر لحياتنا، وسيّد لبيوتنا.
+ ما هو مفهوم الزواج في الدين المسيحي، وما هي شروطه وطرقه، وما هو الهدف منه؟
- إن مفهوم الزواج في الدين المسيحي هو أنه سُنّة مقدسة من الله تعالى. هو رباط روحي يرتبط فيه رجل واحد، وامرأة واحدة، وتُعرف هذه الرابطة برابطة الزواج، التي يتساوى فيها كل من المرأة والرجل، فيكون كل نهما مساوياً ومكملاً للآخر، وذلك بحسب شريعة الله القائلة: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" (تكوين 2:24).
- فكلمات الله عز وجل، تعني أنه عندما يتزوج رجل بامرأة، فإنه يكمّلها وهي تكمله، ويذوب كيان كل واحد منهما بالآخر في المحبة المتبادلة والتفاهم، وذلك بحسب وصيته تعالى القائلة: "عندما يتزوج رجل بامرأة فإنهما ليس بعد اثنين بل جسد واحد" (متى 19:6).
- وهذا يعني أن رابطة الزواج يجب أن تدوم بين الرجل والمرأة في محبة الله ومخافته. إذ ينبغي على الرجل أن ينظر إلى زوجته بأنها أدنى منه مرتبة، أو أنها عبدة للمتعة الجسدية والخدمة المنزلية، فهي نصفه الآخر الذي يكمّله، وواجب عليه أن يحافظ على هذا النصف محافظة تامة كما يحافظ على نفسه، ويحبها كما يحب نفسه تماماً. كما ينبغي على المرأة أن تحافظ على زوجها كما تحافظ على نفسها، تحبه وتحترمه وتحافظ على قدسية الزواج. وعليها أن تنظر إليه كنصفها الآخر المكمّل لها، وكحصن لها يدافع عنها ويصونها. لأنه كما أن المسيح هو رأس الكنيسة، فكذلك الرجل هو رأس المرأة (أفسس 5:23). وبناء على ذلك، على كل من الرجل والمرأة أن يحب شريكه كنفسه. والمفروض أن تدوم هذه الرابطة الزوجية رابطة مقدسة حتى الموت لأن ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان (متى 19:6).
- هذا هو مفهوم الزواج في الدين المسيحي.
ما هي الغاية من الزواج المسيحي؟
- إن غاية الزواج والهدف منه في الدين المسيحي، يمكن أن تلخص فيما يلي:
1 - استئناس أحد الفريقين بالآخر، أي الزوج والزوجة، ومساعدته ومواساته في حالات العسر واليسر.
2 - تقديس الغرائز والميول الطبيعية التي أوجدها الله في الإنسان، وتوجيهها التوجيه الصحيح.
3 - تكوين رابطة مقدسة بين شخصين مختلفين، ذكر وأنثى، واتحادهما اتحاداً روحياً في جسد واحد بحيث يكون كل منهما مكملاً للآخر. وهذا سرّ إلهي عظيم ورد ذكره في الكتاب المقدس (أفسس 5:31-32). ونتيجة لهذا الاتحاد تنشأ محبة وتفاهم مشتركان.
4 - إنجاب ذريّة صالحة تتربى في مخافة الله وتأديبه لحمد اسمه الأقدس وتمجيده.
هذه هي الأهداف الأربعة التي يرمي إليها الزواج في الدين المسيحي.
كيف يتم الزواج عادة عند المسيحيين؟
- لا نعتقد أن هناك طريقة واحدة يتم فيها الزواج، لأن لكل بلد ولكل شعب عاداته وتقاليده.
- ولكن نورد ما يلي على سبيل المثال: فأول خطوة بالنسبة للزواج، هي أن يكون كل من الشاب والفتاة في سن مناسبة للزواج وتحمّل المسئوليات، وبصحة جيدة تؤهلهما لذلك. أما بالنسبة للطريقة المتبعة، فأعتقد أن الطرق والأساليب قد تختلف قليلاً من بلد لآخر بالنسبة للعادات والتقاليد. ولكن الطريقة المتّبعة عادة، هي أن يختار الشاب فتاة مناسبة قد يتعرّف عليها شخصياً، أو بواسطة الأهل والأصدقاء، فيذهب مع أهله ويطلب يدها من أهلها، فإذا وافقت الفتاة ووافق أهلها تكون هناك فترة تعارف بين الشاب والفتاة على أخلاق بعضهما، وعن مبادئ كل منهما الشخصية والعقائدية وغيرها ، ويتفاهمان بالنسبة لبعض الأمور التي تهمّ كلاًّ منهما، وتسمى هذه الفترة فترة الخطبة. وبعد ذلك يتم الزواج، وتكون مراسيم الزواج عادة في الكنيسة، وتجري على يد أحد رجال الدين بناء على كلمة الله والطقوس الكنسية المتّبعة وبوجود المدعوّين من أهل وأصدقاء ومعارف الطرفين وبوجود شهود على ذلك .
+ هل يكون عادة شروط خاصة بالنسبة للزواج؟
- قد يكون هناك شروط خاصة بين الطرفين بالنسبة للمسكن وفرش البيت وغيرها من الأمور التي تهمهما علماً بأن الشاب والفتاة يتعاونان في بعض الأحيان. وما يجدر ذكره أن ليس هناك مهر يدفعه العريس للعروس أو لأهلها بقصد الزواج. ومن أهم الشروط هو أن يكون الشاب المتقدم للزواج غير مرتبط مع شريك آخر وكذلك الفتاة. كما ينبغي على الشاب أن يطلب يد الفتاة التي تناسبه وتصلح أن تكون شريكة لحياته، دون أن يكون هناك إجبار أو إكراه في الموضوع بالنسبة للطرفين.
كم زوجة يجب على الرجل أن يتزوج بحسب تعاليم الإنجيل المقدس؟
- إن التعاليم المسيحية المستمدّة من الإنجيل المقدس تُعلّم أنه على الرجل أن يرتبط بزوجة واحدة فقط. فالزواج بحسب مفهوم الدين المسيحي هو سُنّة مقدسة رتّبها الله تعالى، يرتبط فيها الرجل والمرأة برباط روحي، يُعرف برابطة الزواج.
- وفي هذه الرابطة المقدسة يتساوى الرجل والمرأة، ويكون كل واحد منهما مكملاً للآخر، وذلك بحسب شريعة الله القائلة: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" (تكوين 2:24).
يجب أن يكون الرجل والمرأة في الزواج المسيحي جسداً واحداً:
في الواقع أن هذه الكلمات المقتبسة من الكتاب المقدس هي من كلام الله عز وجل. وتعني، أنه عندما يتزوج رجل بامرأة، فإنه يكملها وهي تكمله ويذوب كيان كل واحد منهما في الآخر في المحبة المتبادلة والتفاهم.
وذلك بحسب وصيته القائلة: "عندما يتزوج رجل بامرأة فإنهما ليسا بعد اثنين بل جسد واحد" (متى 19:6). ومعنى ذلك أن رابطة الزواج يجب أن تدوم بين الرجل والمرأة في محبة الله ومخافته. على الرجل ألا ينظر إلى زوجته بأنها أقل منه شأناً، أو أنها لمجرد المتعة الجسدية والخدمة المنزلية والإنجاب، لأنها نصفه الآخر الذي يكمّله، وواجب عليه أن يحافظ على هذا النصف كما يحافظ على نفسه، ويحبه كما يحب نفسه.
والجدير بالذكر، إن الإنجيل المقدس يشبه علاقة الرجل بالمرأة بعلاقة المسيح بالكنيسة.
ويذكر الكتاب المقدس بهذا الصدد: "أيها النساء اخضعن لرجالكنَّ كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد، ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك النساء لرجالهن في كل شيء أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها.. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم، ومن يحب امرأته يحب نفسه.. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً" (أفسس 5:22-25 و28 و31).
وهكذا نلاحظ أن الزواج في الدين المسيحي أمر مقدس ويُطلق عليه البعض في الكنيسة المسيحية لقب سرّ الزواج. وعلى الرجل أن يقترن بامرأة واحدة يكون وإياها كأنهما جسد واحد ينمو في المحبة والتفاهم والتضحية ومخافة الله