علي تكنو المــديــر الــعام
رساله sms : عدد المساهمات : 1467
| موضوع: منابع عطشى للحب الثلاثاء 25 أغسطس 2009, 6:21 am | |
| منابع عطشى للحب
| |
|
(1 ـ 2)
لم تخفي وجهها فقط وانما ارادت ان تميد بها الارض حينما رأت أن الرجل الذي قضت عمرها طوع يمينه ولم يجل في خاطرها يوما خيانته، يتأبط ذراع فتاة تصغره أكثر من عقدين. كان يمتختر في مشيته بصورة عادية جدا وكأنه لم يرتكب أي جرم أو خطيئة ما، كانت تلاحظ ثمة بريق غير عادي يشع من عينيه و فرحة استثنائية تكاد تتجسد في كل حركة من حركات جسده و تقاسيم وجهه وركزت مليا على ذراعه الذي كان يشد بقوة على ذراعها البض، وتذكرت نفسها! تذكرته عندما كانت ترافقه مرات (يتيمة)خارج البيت وكان دوما يجعل ثمة فاصل بينهما، فاصل لم تشتك منه يوما لأنه كان دوما يقول الحب في داخل البيت وليس خارجه، وأكثر الازواج فشلا هم اولئك الذين يجسدون حبهم خارج البيت، ورغم انه لم يجسد لها حبه داخل البيت لكنها مع ذلك تصورته يحب بطريقة الرجال الذين لايودون أبدا البوح بحقيقة مشاعرهم! وإمتزجت سخريتها من مبدئه الهزيل هذا بعميق جرحها في روحها و كبريائها كأنثى سيما وانها لم تبخل عليه بشئ يوما وكانت ترضي طيش و غطرسة رجولته بشتى الاساليب سيما عندما كان يذكرها دوما بأنه لايأبه إطلاقا بكل نساء الدنيا إكراما لها وانه من واجبها أن تملئ عينيه و تحرص عليه كجزء من الوفاء لموقفه الشهم هذا ولم تجده يوما يكلمها ولو للحظات عن الحب أو شيئا من هذا القبيل وكان كل الذي يهمه منها إنجاز أعمال البيت و الواجب الليلي كما يحب و يشتهي! وهي تبصرهما يعبرا الشارع بفرح غامر، كانت تتبعهما ببطأ وكأنها أم ثكلت بكل أطفالها في لحظة واحدة لكنها ولهول الصدمة لم تتمكن من البكاء، ورأته كيف أنه يضمها إليه بقوة في وسط الشارع وبين الناس وكيف ينظر الى وجهها بإبتسامة لم يتسنى لها أن شاهدت مثله على محياه، ورمقته كيف انه وبين حشود الناس طبع قبلة سريعة على خدها! كانت تترنح من دون أن تكون سكرى، و يدور رأسها من دون أن تكون مصابة بدوار، كانت تردد كلمة واحدة فقط لاغير: لماذا؟ وفجأة بدأت الدموع تنهمر من عينيها كالمدرار، حينما لم تجد أية إجابة شافية و انما كانت تحس بأنها تجر كومة من اللحم و العظام خلفها و لم تدر الى أين تمض سوى أنها كانت تتبعهما من دون روية وكانت أحيانا تشعر أن جسدها قد بات ثقيلا على قدميها وانها تجد صعوبة حمل كل هذا الثقل الذي تضاعف مع ثقل ذلك المشهد المفجع لروحها و كرامتها. لماذا لاتخاطبني في البيت بكلمة (حبيبتي)، بهذه الصراحة طلبت منه ابداء الحب نحوها، لا لا...هذا كلمة كاذبة ينطق بها المراهقين و الصايعين، هكذا برر عدم نطقه بتلك الكلمة وكعادتها فلم يكن أمامها غير أن تصدقه و تأخذ كلامه على محمل حسن إذ هو كما أكد لها مرارا رجل حدي و صادق مع عائلته. وتذكرت وهي تبصره يحشر رأسه بين طيات شعر تلك الفتاة المنفوش و يهمس في أذنيها، كيف أنه ألح عليها بأن تأخذ الاطفال سريعا الى بيت أختها لأنه هنالك مجموعة رجال أعمال سيعقدون إجتماعا خاصا في بيته ويجب أن يكون البيت هادئا بالكامل، وضحكت على سذاجتها وهي تتذكر سرعة إنصياعها لكلامه و كأنه أمر عسكري وحتى أن ابنته المدللة لما أبدت رفضها للذهاب رأت كيف صاح بها و كاد ينهال عليها ضربا لولا تداركتها و نهرتها باسلوبها كأم. وصعقت وقد تبادر الى ذهنها فكرة ذهابه الى البيت و... رباه أتراه يفعلها على سرير الزوجية؟ هل تصل به السفالة الى هذا الحد؟ لا لا قد تكون مجرد علاقة عابرة وسطحية وليس بحاجة لأخذها للبيت إنها مجرد نزوة ليس إلا، وسخرت من نفسها وهي تجد طيبتها و سذاجتها مازالت تعمل بنفس النسق السابق وكأنها تنهر فكرها و مشاعرها على ذلك مسحت بكم ثوبها دموعها الغزيرة على خديها محدقة فيهما وهما يدلفان الى زقاق ضيق شبه مقفر من المارة ولم تصدق عينيها وهي تراه يحتضنها في بداية الزقاق و يقبلها بجنون ظاهر ومن فرط إحتقارها لهذا الرجل الذي عاشرها كزوج مخادع لعشر سنوات و انجبت منه أربعة خمسة أطفال، أرادت أن تعود أدراجها وان تختط لنفسها حياة أخرى بعيدا عن هذا الافاق، لكنها وجدت قدميها تسحبانها بكل قوة و إصرار خلف دعي الاخلاق و المثل و القيم الرفيعة هذا حتى إنتهى الامر بهما الى دار الزوجية وهنا لم تتمالك نفسها وجلست على ركبتيها وهي لاتدري ماذا تفعل ولمن تشكي سوى أن ذرفت سواق سخية أخرى من دموعها على ضريح وفائها لزوج لم يرع لها إلا و لاذمة نعم لم يرع لها شيئا وهي التي كانت بمثابة منبع خاص له من دون العالم كله، منبع أدركت الآن أنه أعطش مايكون للحب! آه لو تدرين كم كان إجتماعا ناجحا ومثمرا وكم أشعرني بسعادة غير عادية بل انا اسعد انسان في الوجود حاليا! قال ذلك وهو غير منتبه الى زوجته التي كانت تستمع الى أكاذيبه وهي تغلي في داخلها كمرجل يكاد أن ينفجر من شدة كظم غيظها. تصوري من فرط إعجابهم و تقديرهم لي وعلى الجهد الخاص الذي بذلته من أجلهم، فقد صمموا على عقد إجتماع آخر يوم غد في بيتنا وفي نفس الموعد أيضا! ونظر إليها وقد لاحظ صمتها الغريب لكنها تداركت نفسها و رفعت رأسها وهي ترسم إبتسامة ذات مغزى لتقول و ببرود قاتل يقبع في أغواره ألف علامة استفهام: مبروك ألف مبروك، عقبال عقد الاجتماعات الليلية الاكثر حرارة في بيتنا يا زوجي العزيز! |
عدل سابقا من قبل الحب الدائم في الإثنين 12 أكتوبر 2009, 6:31 pm عدل 1 مرات | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: منابع عطشى للحب الأحد 06 سبتمبر 2009, 4:10 am | |
| انطلقت متجهة نحو الهدف .. لم تكن تعلم مصيرها المجهول .. سوى ان صاحبها البرئ أرسلها في مهمة خاصة كانت المهمة هي أن تذهب لـ....... ثم ترسل رفيقتها تبعا لاتفاق مسبق .. ومن هنا بدأت القصة يدور هذا الحوار بين اثنين .. سوف أرسلها لك ولكن بشرط .. أن تردها بأخرى أبشر ولا يهمك .. إ نت تامر أمر .. بس لاتنس تدعيلي .. وأرسلها المسكين وبعد برهة .. هاه وصلت ؟؟ ايوه مشكور ماقصرت الحوار مضمونه طيب وكلماته جميلة ولكن ماخفي كان أدهى وأمر وتمت الصفقة .. وانتهت العملية .. وعشرات من خلق الله يشهدون على ذلك كان من وراء الكواليس رجل يرقب .. رجل قد ارتدى قبعة سوداء .. انف معقوف .. تتدلى على جانبي رأسه جديلتان خبيثتان لئيمتان .. كان يرقب الصفقة .. ابتسم بعد ان تمت ثم أطلق ضحكة هستيرية قال بعدها .. هذا ماكنت أرنو إليه كانت الصفقة عبارة عن صورة مقابل صورة .. فحش مقابل فحش ..ذل مقابل ذل ذل يقدمه المسلم للمسلم ..وصاحب القبعة قد أتم مهمته على أكمل وجه ذل يقدمه المسلم للمسلم ..وصاحب القبعة قد عرف من أين تؤكل الكتف ذل يقدمه المسلم للمسلم .. وصاحب القبعة يكشر عن أنيابه فرحا مغتبطا
وانطلقت الصورة .. وتكرر المشهد بحذافيره مرة أخرى بين شخصين أخرين وبنفس البضاعة .. نفس الصورة.. الصورة التي أرسلها صاحبنا المسكين في المرة الأولى ويتكرر المشهد ثالثة ورابعة .. وعاشرة .. وللمرة الألف .. والسلعة هي هي .. سلعة صاحبنا المسكين الذي أرسلها في المرة الأولى لم يكن يعلم صاحبنا المسكين ان هذه الصورة التي سيحصلها الألوف وربما الملايين ستلقي عليه تبعا من السيئات مالله به عليم رجل شاهد تلك الصورة بعد سلسلة طويلة من الصفقات .. فارتكب الحرام وغشي المنكر .. وفسد وأفسد وصاحب الصورة المسكين قد أنهكته الخطايا .. وزادته تلك الصورة إثما وبلايا وصاحب القبعة السوداء يقول : هذا ماكنت أرنو إليه والناصح يصرخ أم تي مالذي يجري لنا؟؟
رجل شاهد تلك الصورة فطلق زوجته بعد ان اصبحت حياتهما جحيما لايطاق وصاحب الصورة المسكين قد أنهكته الخطايا وزادته تلك الصورة إثما وبلايا وصاحب القبعة السوداء لازال يردد هذا ماكنت أرنو إليه والناصح يصرخ أم تي مالذي يجري لنا؟؟
رجل شاهد تلك الصورة فتبدلت حاله وتغيرت طموحاته وآماله .. وعن الحرام صار بحثه وسؤاله .. بعد أن كان- يوما من الأيام - ذا قدر ورفعة وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف الى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات وصاحب القبعة السوداء يردد ويردد .. هذا ماكنت أرنو إليه.. هذا ماكنت أرنو إليه والناصح يصرخ أمتي... أمتي.. ما لذي يجري لنا؟؟
وفتاة ضاعت وتاهت .. وفي الحرام صالت وجالت بعد أن كانت ذات قلب برئ وعين هادئة .. كل هذا صار وحدث بعد أن شاهدت الصورة .. صورة صاحبنا الاول وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف الى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات وصاحب القبعة السوداء .. يتمتم قائلا هذا ماكنت أرنو إليه والناصح يصرخ أمتي .. أمتي .. مالذي يجري لنا
ويهدم بيت .. ويضيع عرض.. وتزول همم ..وتدمر أمة وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف إلى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات وصاحب القبعة السوداء يبشر رفاقه هذا ماكنت أرنو إليه والناصح يصرخ أمتي أمتي .. مالذي يجري لنا
وتمر الأيام تلو الأيام .. والساعات تلو الساعات ..والصفقات تلو الصفقات
ويموت صاحب الصورة الأولى من غير توبة .. صاحب الصفقة الأولى .. فيتوسد لحده .. ويرقد في قبره ولازالت سلسلة الصفقات تجري وتجري.. وتصب على صاحبنا في قبره آثاما تتلوها الاثام .. وذنوبا تتلوها ذنوب
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الوزر والعار تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لاخير في لذة من بعدها النار نعم والله .. لاخير في لذة من بعدها النار أخي الحبيب أعلن مع نفسك التوبة .. وسارع بالرجعة والأوبة وقل لنفسك إني أطمح لتغيير الدنيا .. فلماذا تغيرني صورة من سينقذ الأمة الغرقى إذا كنت أنا نفسي الغريق وتأمل في مقدار إثم .. بل آثام وآثام .. ستحصلها من تلك الصورة عد الى الله .. اركن اليه .. اذرف حار الدمعات في الاسحار .. وناج رب السموات والاقطار عندها .. سينتفض صاحب القبعة السوداء قائلاً ما لذي يجري لنا؟؟ ويستبشر الناصح | |
|
علي تكنو المــديــر الــعام
رساله sms : عدد المساهمات : 1467
| |
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: منابع عطشى للحب السبت 17 أكتوبر 2009, 8:22 pm | |
|
عدل سابقا من قبل عراقية (ميعجبك الطخ راسك في السبت 24 أكتوبر 2009, 2:50 pm عدل 1 مرات | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: منابع عطشى للحب السبت 24 أكتوبر 2009, 2:39 pm | |
| الصبر مفتاح الفرج" ساد الصمت الغرفة ، بعد أن نجحت أمي في تهدئة أخي الرضيع .. فصفا لي الجو للنوم .. ولكني حينها لم يهدأ لي بال ولم يغمض لي جفن .. فها هو الليل يلم أطرافه للرحيل ووالدي لم يعد بعد … لعن الله الفقر .. ، لو لم نكن فقراء معدمين لما كنا على هذا الحال .. ، لا لا لا إنه امتحان من رب العالمين.. لكن الأفكار تحيط بي .. لما نحن بالذات مِن بين مَن في العالم أجمع نبتلي بهذا الامتحان .. لماذا؟ .. ويعلو نداء النفس الداخلي .. استغفرالله .. إنه الشيطان يحاصرني ولا يدع لي شاردة ولا واردة إلا وأودع فيها وساوسه … ، ورغم صفاء نفسي حينها إلا أني ظللت ساهماً شارداً حتى عاد أبي .. ، ولم يكن بعودته مبعداً لقلقي .. لأني قرأت من وجهه حزنا … كات تعباً جداً .. رجلاه بالكاد تتحملان ثقل جسمه وصوته خرج ضعيفاً واهناً وهو يردد .. القارب .. القارب .. حينما وصل لمسمعي ما ردد اسودت الدنيا بوجهي ..، فوالدي صياد ، والقارب هو مصدر رزقنا الوحيد .. . قمت من فوري استفسره عن ما حل به .. وبصعوبة استطاع أن يلم شتات فكره ليقول بحزن خانق .. القارب تحطم .. ، تنهد ثم استطرد .. خرجت للصيد كعادتي ، ولما اقتربت من البحر لم أجد القارب .. فبحثت عنه هنا وهناك .. ولكني وجدته حطاما .. ، لم أصدق عيني واستنكرت كونه قاربي ، ولكني عرفت أن بعض الصيادين الذين يحملون الحقد علينا مع سوء حالنا يريدون احتكار بيع السمك والتحكم بأسعاره فكان هذا السبيل لتحقيق أطماعهم وما باليد حيلة سوى قولي حسبي الله ونعم الوكيل . لم يخفى عن بالي حينها ما فعله والدي مع هؤلاء الصيادين والمساعدات التي قدمها لهم والقروض التي أعطاهم ولم يردوها له يوم كانوا فقراء كحالنا .. ثم الجزاء الذي لقاه منهم بعد ذاك .. ، أحسست بألم يعصرني ولكن مشاعر التأثر بدت أكبر عندي حينها ..، فوالدي المسكين رغم شدة الألم والحزن الذي يعانيه من فعلتهم .. توجه للمسجد راجياً وداعياً المولى عزوجل أن يغفر لهم عملهم فلقد عظمت ذنوبهم فكيف سيلاقون الله وهم يحملون هذه الأثقال . لم يكن حالنا يسمح بشراء قارب جديد .. ولكن أبي كان يوفر بعض النقود .. حتى استطاع أن يشتري بهم قارباً صغيراً وقدريم .. ودعا الله التوفيق. خرج أبي للصيد يومها كعادته كل صباح ولكنه رجع مرهقاً ولم يكن يحمل سوى بضع سمكات صغار بالكاد ترى .. لم تكن أمي تعلم ما حصل لذا أثار ذلك استغرابها فلقد بدا جلياً هيئة والدي المرهق جداً ، ومع ذلك لم يكن يحمل شيئاً يذكر ، ولكن أبي علل ذلك بقوله .. قَدَرُ الله شاء أن لا أصطاد اليوم شيئاً .. وبات الليل يدعو الله الفرج. سائت أحوالنا كثيراً فكل يوم يمضي أسوأ من سابقه ، وأبي صار كالطائر بلا أجنحة ..، لم يكن يستطيع أن يعمل شيئاً بدون قاربه المعهود ، وكلما عظم عليه الأمر توجه لله فهو خير معين. رجع أبي يوماً وطلب مني التهيأ لعيادة أحد المرضى ..، وعرفت منه أنه أحد الذين تسببوا لنا بالأذى ..، ونظرت لأبي باستنكار شديد ..، فقرأ أبي ما يدور ببالي وقال .. توكل على الله وانس ما مضى . عندما اجتمعنا بدا عليه العجب والاستغراب .. كان متردداً وكأنه يريد أن يقول شيئاً ولكنه أظهر لنا عدم المبالاة . لم نطل الجلوس عنده .. إذ ودعه أبي راجياً له الصحة والعافية . لم أستطع النوم يومها من كثرة ما يدور ببالي ، فحالنا مثير للشفقة .. وأبي المسكين يحمل كل هذا العبء على كاهله ..، والقدر مُصِرٌّ على ما رسمه لنا من شقاء .. أحسست أن قواي قد خارت .. فلم أكن لأتحمل كل هذا لولا تذكري قول والدي في مِحَنِهِ .. ( اصبر وتوكل على الله ، فإن الصبر من سيماء المؤمنين ، والصبر مفتاح الفرج ) ، فَهَدَأتُ وَقَرَأتُ المعوذتين ونمت. تسللت أشعة الشمس لي صباحاً فَفِقْتُ من نومي وأخذت أنظر للسماء الممتدة التي ترسم بامتدادها المستقبل المجهول ..، قطع تأملي بضع خطوات التفَتُّ لمصدرها فإذا به والدي يبدو ساهماً شارداً .. ركَّزَ نظره بنظري وقال .. نويت اقتراض المال من أحد الأصحاب . صُعِقْتُ عندما سمعت ما قال ..، فأنا أعرف والدي .. أقوى من أن يستسلم للظروف .. كان مؤمناً بأن لكل محنة نهاية وأن الله لا ينسى عبده المؤمن ..، والتفسير الوحيد لهذا أن أحوالنا ساءت وتَرَدَّتْ كثيراً بحيث أننا لا نستطيع تَدَبُّرَ أمورنا .. كان أبي كبيراً بحيث أني لم أستطع أن أَرُدَّ على والدي واكتفيت النظر إليه بانكسار شديد .. ولكني أذعنت لرغبته ..، وقصدت ووالدي منزل صاحبه الطوَّاش . عانق أبي صاحبه وأخذ يساله عن أخباره وأحواله .. ثم عرض أبي على صاحبه رغبته في اقتراض المال نظراً لسوء ما آل إليه حالنا .. لكنه تنهّد وقال بحزن جليّ .. سامحني .. كنت أتمنى مساعدتك .. لكن في الوقت الراهن لا أستطيع تلبية طلبك .. فأنا مُقبل على سفر وأموالي كلها في هذه الرحلة ولكن انشاء الله بعد عودتي أستطيع مساعدتك .. شكره أبي داعياً له التوفيق وخرجنا من عنده . هنا شعرت بانكسار بِعَيْنَي والدي فلقد تحطم آخر أمل له .. فأحسست بأن الأبواب قد اصطكت في وجهي .. وبطول الطريق كان أبي رافعاً رأسه لسماء مكرراً رجائه ودعائه بالفرج. لم يخْفَ عليّ أن والدي لم يستطع النوم ليلها من شدة الأعباء التي يحملها وظلَّ ساهراً يحاول إيجاد مخرج لنا . ولما انبلج الليل ، وهلَّ الصباح ، كان أبي قد اتخذ قراراً بالرحيل عن قريتنا لقرية مجاورة ، لعل وعسى أن تتبدل حالنا من الأسوأ للأفضل بتوفيق من الله .. لم أصدق قرار رحيلنا رغم أن والدي قد همَّ بتجهيز حاجياته.أحسست بألم كبير ينهشني فأخذ والدي يهدّئني قائلاً .. إن رزقنا في هذه القرية منقطع وسنرحل لقرية أخرى عسى الله أن يكتب لنا رزقاً فالله لا ينسى عبده المؤمن. بعد أن انتهيت من حزم أمتعتي كانت السماء قد لبِسَت السَّواد .. حاولت النوم ولكني لم استطع .. فهذه هي قريتي التي حضنتني منذ نعومة أظفاري وتآلفت مع أهلها وصادقت أكثر شبَّانها والآن أنا مفارقهم إلى قدر مجهول .. لا أدري كم مضى من الوقت وأنا على ذلك الحال ..، فلم اعِ إلا وقد أغلق الليل فمه .. وانفتح فم الصباح ..، حينها كان أبي قد نقل أمتعتنا للعربة واستعدَّينا للرحيل ..، منظر أهل القرية الأَخْيَار وهو يُوَدِّعُونَ والدي كان مؤثراً جداً ولكنهم لا يملكون خياراً آخر ..، فهم يعيشون حياة الفقر مثلنا وما بيدهم حيلة. لم يمض وقت طويل حتى استقَلَّينا العربة ..، لم أتمالك نفسي وأنا أودِّع بنظري أهل القرية .. منازلها .. بَحْرَها بشواطئه .. فخَرَجَتِ الدُّموعُ مِن مُقلَتَيْهَا مُعَبِّرَةً بِصَمْتٍ عن شدَّة تأثُّري ومَدَى تَأَلُّمي.. قطع صمتَنا صدى صوت ينادينا .. توقفنا فإذا بشبح رجل جاء يركض مسرعاً نحونا .. ولما اقترب أثار عَجَبَنَا أن كان ذلك الرجل هو نفس الرجل المريض .. جاء يلهث وشحوب المرض بادياً على أمارات وجهه .. أخذ يسترجع أنفاسه ثم قال .. اعذرني .. لم استطع الهروب من عذاب الضمير .. ولم استطع النوم البارحة .. أحسست أن الله بعثك منقذاً لي من الظلام .. فسهرت الليل داعياً الله الغفران .. عانق أبي عناقاً حاراً وأخذ يجهش بالبكاء .. ثم أعطى أبي صُرَّة نقود قائلاً .. واشترِ به معداتِ صيدٍ جديدة ..، وأَعِدُكَ مع باقي أصحابي أن نكون جنبك ونشكرك على طيبتك ..، فلقد نزعت من داخلنا السوء بإيمانك وصبرك وحكمتك .. ورجائي أن تقبلني أخاً لك .. صافَحَهُ أبي بشدة ..، فقرأت من عينيه معانٍ كبيرة .. التفتَ ناحيتي وقال .. إِنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ | |
|