الحياة رحلة طويلة... رحلة فيها السعادة وفيها الألم... فيها الضحكات وفيها الدموع... رحلة لا تخلوا من المخاطر... ولا تخلوا من المصاعب...
في كثير من الأحيان... تأخذنا الحياة... نتوه في ظلمة ليلها... وتكاد تغرقنا أمواج عواصف بحرها العاتية...
بفطرتنا كبشر مهما اختفلت درجات إيماننا فإننا نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى لينجدنا...
لكن قد تطول المحن... وقد تعصف بنا رياح المشكلات إلى أن تضيق بنا السبل ولا نجد مخرجا ولا حلّا لها..
قد يضعف البعض وهم ينتظرون الإجابة من الخالق والفرج من عنده...
فيظن ضعاف النفوس أنه لا سبيل... أن دعواتهم لم تستجاب... أن نداءهم لم يسمع...
ولكن...
هل يغيب صوتك عن السميع البصير؟ هل يجهل حالك الخبير؟ وهل يصعب حل مشكلتك على القدير؟
الكثير منا يقول: سأحاول أن ألجأ إلى طبيب نفسي ومستشار اجتماعي ليساعدني على حل مشكلتي...
سألتك بالله عليك إن وقعت في مشكلة قانونية... وأشار عليك كل الناس باللجوء إلى المحامي الفلاني... وهو أشهر محامي في تلك القضايا... وأفضلهم وأكثرهم خبرة... هل سترتاح حينما توكل له مسألتك القانونية؟
أي عاقل في هذه الدنيا سيرتاح... هل يمكن للعاقل أن يقول: لم أسأل أشهر الطباخين وأفضل الخياطين ليحلوّا لي هذه المشكلة ولآخذ رأيهم؟
بالتأكيد لا !!
فما بالنا نستشير العباد في أمور نعلم أن الخالق يمكنه حلها؟ ولماذا نلجأ لأضعف المخلوقات وأكثرهم خطأ ولا نلجأ لعلّام الغيوب؟
أحيانا...
نكبر في عين أنفسنا... ونعتقد أن بمقدورنا حل مشاكلنا بأنفسنا...
أن بمقدورنا أن نشق عباب الدخان... ونخرج من كوح حياتنا المحترق دون مساعدة...
ولكننا نجد أنفسنا ندور حول طاولة دائرية... ولا نجد طريقنا إلى الخارج...
نقول أن شرارة من الموقد قد خرجت فأحرقت السجادة... وأن السجادة قد احترقت فأحرقت الستارة... وأن الستارة أحرقت الجدران الخشبية... وامتد الحريق ليصل أرجاء المنزل... وأن الخطأ منا لأننا تركنا نار الموقد مشتعلة... لكن البرد قارس لا يمكن إطفاء النار... إذا الخطأ هو ترك السجادة بجانب الموقد... بل الخطأ هو تقريبا السجادة إلى الستائر... لكن الخطأ الحقيقي هو ترك الستائر مسدلة بالكامل إلى الأرض... والخطأ الأكبر أن نسكن في منزل من خشب فمنزل الطوب أفضل..
فنلوم الزمن ونلوم أنفسنا ونلوم كل الظروف ولا نجد حلا لما وصلنا إليه...
ووصلت النار لتأكلنا... ونحن ما نزال نفكر في "كيف اندلعت النار"
فكيف السبيل إلى إطفائها؟
هل يمكن أن نطفئ النيران التي اندلعت بقصد أو بغير قصد؟ بخطأ منا أو بدون خطأ؟
قد تكون الأقدار أن تندلع النار لنلجأ إلى خالقنا... فما بالنا نبحث في أنفسنا وفي حياتنا وفي نصائح الناس عن مخمد لها؟
ما بالنا غفلنا عن ذي القوة المطلقة؟ الذي لا يعجزه أمر في السماوات ولا في الأرض؟ الذي يقول للأمر "كن" فيكون ؟
نحن نعلم يقينا بأننا لن نستطيع إعادة الزمن إلى الوراء... ولن نستطيع أن نمسح فترة من الزمن قد انقضت... وأن ما حصل قد حصل... وأننا لن نتمكن إصلاح الماضي ولا تغييره... أفلا نعلم أن القادر يمكنه أن يصلح لنا كل شؤوننا وحياتنا؟ أوما سمعنا بالدعاء "اللهم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين" ؟
لماذا عندما نخطئ نكره أنفسنا وكأننا كنا نتوقع من أنفسنا الكمال؟
أو ما عرفنا أن الكمال لله وحده؟ أو ما عقلنا أن كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون؟
فأين الراحة؟ كيف نهتدي إلى الصواب إذا ما ضللنا؟ وما هو الحل إذا زللنا؟
أحرف من نور،اقرؤوها بقلوبكم، وتوقفوا عند معانيها...
قال رب العزة في الحديث القدسي:
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أعيركم.
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم.
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم. كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كل واحد مسألته. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
رواه مسلم
أسمعت رب العزة ينادي بكلمة لا أجد أحلى منها؟ "يا عبادي"... فما أجملها وأرقها وأحلاها من كلمة... فهل سمعنا النداء؟ فهل سمعنا بقلوبنا؟
يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم... فهلّا سألنا الهداية؟
يا عبادي لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر... مالك الملك يؤتي الملك من يشاء... تخيلوا معي أن كل البشر في هذا العالم منذ أن بدأ الخلق إلى يومنا هذا عددهم يفوق المليارات لو سألوا ما سألوا وطلبوا ما طلبوا وأعطى الله كل واحد مسألته ما نقص ملك الله إلا كما ينقص ماء البحر إذا غمست فيه ابرة وأخرجت منه... فما بالنا لا ندعوا؟ هل مالك الملك يعجزه شيء؟
أحبائي... ديننا كامل لا نقص فيه، وصالح لكل زمان ومكان، وقرآننا كتاب لا ريب فيه، وسنة رسولنا ما كانت إلا من أعظم الخلق والذي قال فيه رب العزة "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي" والذي قال في مدح خلقه بقوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم"
فأي كنز نملكه؟ وأي غنى بديننا نحن فيه؟
فماذا نفعل إن ضللنا؟ وكيف نتصرف؟ وكيف نرجع إلى الحق؟
قال الله عز وجل في سورة آل عمران: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أولئِكَ جَزاؤهم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ العامِلين (136)
وقال عليه الصلاة والسلام "الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها" رواه أحمد.
فما بالنا ركنّا إلى الحزن والهم، باب التوبة مفتوح، وما أسعدها من لحظات حين يغفر الذنب...
همسة في الأذن:
قال عليه الصلاة والسلام: "التائب من الذنب العائد إليه كالمستهزء بربه"
وقال تعالى في سورة الحجر " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ (50)"
كلمات من القلب:
قد كنت في شدة وحزن لا يعلمه إلا الله... فقالت أخية لي في الله: "أختاه... إن كنت قد حزنت لسبب... وليس بالامكان إصلاحه... وتعلمين يقينا بأنك لن تغيري حياتك... فاعلمي بأن من جعل الحزن في قلبك لسبب أو لذنب أذنبته قادر على أن يضع السرور في قلبك بلا سبب تفعلينه غير أن تتوجهي إليه بقلبك... قادر على أن يحلّ لك مشاكلك دون أن تتدخلي فيها ودون أن تحاولي حلّها إذا ما سألتيه الحل وإذا ما سألتيه إصلاحها"
وأنا اليوم أكاد أقسم على أني أسعد الناس في هذا الوجود
جزى الله عني كل خير إخوات لي يشدون عضدي ويؤازرونني في السراء والضراء في سفينة الحياة كي لا تغرقني أمواج عواصفها العاتية...
اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
حقوق النشر للجميع... بشرط واحد فقط: دعواتكم بالتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة لكاتب الموضوع وناقله وقارئه