جليس القمر عضو لامع
عدد المساهمات : 447
| موضوع: قصة البشرية كلها مع الله .. الأربعاء 25 نوفمبر 2009, 2:07 pm | |
| عودة الإنسان إلى الله
ظنت الجاهلية الحديثة بكل طواغيتها أنها ستقضي – أو قضت بالفعل – على دين الله .. ويحق لها أن تظن ذلك ! فالذي يقرأ خريطة الأرض لأول وهلة ، سيهوله ولا شك أن يرى أعلام الجاهلية مرفوعة في كل مكان في الأرض ، وألا يرى راية واحدة خفاقة للإسلام ! ولكن البشر – كما قلنا في نهاية الفصل السابق – ليسوا هم المحكّمين في دين الله ! "ِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( ) . ليست هذه أول مرة تقف الجاهلية موقف العداء والكراهة والحرب والعناد من الإسلام ! إنما ذلك موقفها منه على الدوام ! ثم .. ؟
ثم لا يكون البشر هم المحكمين في دين الله .. وإنما يحكم الله بأمره . ويقرر هو – سبحانه – ما يريد تقريره ، بغض النظر عن فقاعات الكيد الجاهلي التي تقف في طريق الدعوات ! يحكم الله فيبيد الجاهليات الواقفة في الطريق .. أو يهديها إلى الإسلام ! " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ " . " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ، قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ، أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ، فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَـةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ .
" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ، قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ، فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ، فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ " . " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ " .
" وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ، وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ، وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ، الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ، فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ "
" وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ، ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ . " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . " أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " ( ) . * * *
تلك قصة البشرية كلها مع الله .. " لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ .. " ( ) " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( ) إن الجاهلية مهما عتت فلن تُعْجِزَ الله في الأرض .. ولا بد أن تجري فيها سنة الله . وسنته أن يأخذ الناس بالبأساء والضراء لعلهم يضّرعون . فإذا لم يضرعوا بدل الله لهم مكان السيئة الحسنة ، وأعطاهم من متاع الأرض بلا حساب .. حتى ينسوا ، ويستخفوا ، ويقولوا : قد مسّ آباءنا الضراء والسراء ! ونحن مثلهم ! تمسنا الضراء حيناً وبعدها السراء ! وعندئذ يأخذهم الله بغتة وهم لا يشعرون ! ونحن اليوم على أبواب تدخل حاسم من إرادة الله ! إما التدمير على الكافرين الذي يملأون بجاهليتهم أرجاء الأرض .. وإما هدايتهم إلى الله .. أو .. هداية جيل جديد من البشرية ينبع من هذا الفساد بإرادة الله .. " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ! " * * *
حين نقرأ خريطة البشرية مرة أخرى لن تبدو كما بدت لأول وهلة غارقة كلها في ظلمات الجاهلية !
هناك .. على آماد متفاوتة .. بشائر النور ! وعلى ضوء هذا النور المشرق من بعد .. المشرق للغد .. كتبت هذا الكتاب ! كتبته وأنا أرى – رأي العين – هذا النور النابع من الظلمات ! وما من أحد يعرف الغيب في السموات والأرض .. ولكنا فقط نستقرئ سنة الله التي لا تبديل لها ولا تحويل . وسنة الله هي التي تقول : إما الهدى وإما التدمير ! فما لم يكن في تقدير الله التدمير الشامل للبشرية .. فلا بد إذن من الهداية إلى الله . ونحن نتوقع هداية البشرية إلى الله .. ! ونجد البشائر ظاهرة في قلب الظلمات ! * * *
هذا الشقاء الذريع الذي تقاسيه البشرية تحت وطأة الجاهلية الحاكمة في كل الأرض .. هذا العذاب القاتل الذي يصوغ واقع الناس . هذا القلق المدمر للأعصاب ..
هذا الفساد الذي يوقع المظالم بالناس : في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق وعلاقات الجنسين والفن .. وكل شيء .. هذا – بذاته – عامل من العوامل التي ستعيد الإنسان إلى الله .. إنه شقاء فوق الطاقة . وعذاب مميت .. وإن الجاهلية لتحتمله اليوم عناداً مع الله ! أو تحتمله في سبيل ما أتيح لها من منافع جزئية وشهوات ! ولكن المسألة ليست مسألة الاحتمال ! إن التدمير قد وصل إلى أعماق الكيان البشري ذاته .. فبدأ ينهار .. وسينهار هذا الجيل الذي يعاند الله .. ولكن الجيل القادم من بُعْدٍ في الآفاق .. جيل سيعي الدرس من الجيل المنهار .. سيعود إلى الله . * * *
ولقد كفر الناس في هذا الجيل على ضوء " العلم " ! فقد أفهمتهم شياطين الأرض أن العلم ينافي الإيمان بالله . وأن العلم قد قضى على الخرافة التي كانت تملأ ضمائر الناس في العصور الوسطى : خرافة " الله " ! ومن ثم كان تقدم العلم وسيلة من أخبث الوسائل في أيدي الشياطين ! كلما تقدم العلم أوغلوا في إبعاد البشرية عن الله . ولكن العلماء – " أنبياء " هذا الجيل من البشرية ، الذين قادوه إلى الكفر – قد بدأوا يعودون إلى الله !
ونعيد هنا بعض شهادات العلماء التي أثبتناها من قبل ، ونضيف إليها إضافات : يقول سير " جيمس جينز " عالم الطبيعيات والرياضيات : " لقـد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق أن الطبيعة لا تستطيع أن تسلك إلا طريقاً واحداً : وهو الطريق الذي رسم من قبل لتسير فيه من بداية الزمن إلى نهايته ، وفي تسلسل مستمر بين علة ومعلول ، وأنه لا مناص من أن الحالة " أ " تتبعها الحالة " ب " . أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقوله حتى الآن : هو أن الحالة " أ " يحتمل أن تتبعها الحالة " ب " أو " جـ " أو " د " أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر . نعم إن في استطاعته أن يقول : إن حدوث الحالة " ب " أكثر احتمالاً من حدوث الحالة " جـ " وإن الحالة " جـ " أكثر احتمالاً من الحالة " د " .. وهكذا . بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات " ب " و " جـ " و " د " بعضها بالنسبة إلى بعض . ولكنه لا يستطيع أن يتنبأ عـن يقين : أي الحالات تتبع الأخرى . لأنه يتحدث دائماً عما يحتمل . أما ما يجب أن يحدث فأمره موكول إلى الأقدار .. " .
ويقول " رسل تشارلز إرنست " أستاذ الأحياء والنبات بجامعة فرنكفورت بألمانيا : " لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الحياة من عالم الجمادات ، فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين ، أو من الفيروس ، أو تجمع بعض الجزيئات البروتينية الكبيرة ، وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات . ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشل وخذلان ذريعين . ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع ، على أن مجرد تجمع الذرات والجزيئات من طريق المصادفة ، يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية . وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة ، فهذا شأنه وحده ! ولكنه إذ يفعل ذلك ، فإنما يسلم بأمر أشد إعجازاً أو صعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله ، الذي خلق الأشياء ودبرها .
" إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها . وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق . ولذلك فإنني أؤمن بوجود الله إيماناً راسخاً " . ويقول : " إيرفنج وليام " ( دكتوراه من جامعة إيوي وإخصائي وراثة النباتات ، وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجان ) :
" إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية فـي صغرها ، والتي لا يحصيها عد ، وهي التي تتكون منها جميع المواد . كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا – بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكوّن الحياة ...
" ولقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء . وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة . وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون . " انظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق . فهل تستطيع أن تجد له نظير في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة ؟ إنه آلة حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار . بآلاف من التفاعلات الكيموية والطبيعية ، ويتم ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم – وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية . " فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة ؟ إن الله لم يصنعها هكذا وحدها . ولكنه خلق الحياة ، وجعلها قادرة على صيانة نفسها ، وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل ، مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر .. إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء وأكثرها إظهاراً لقدرة الله " .
ونكتفي هنا بهذه النماذج – وهي مجرد نماذج – مأخوذة من كتاب واحد يحوي – وحده – مجموعة كبيرة من الآراء تتجه كلها إلى الله ، وإن كانت رواسب الجاهلية ( العلمية ! ) ما تزال ترى في كثير من التصورات وكثير من التعبيرات ! ( ) . وهكذا تتوالى شهادات العلماء – أنبياء هذا الجيل الذين قادوه إلى الكفر من قبل – تدعوه أن يعود إلى الله ! * * *
وانهيار النظم القائمة اليوم .. ستعيد الإنسان إلى الله ! فأما الرأسمالية فقد استُهلكت كعقيدة ونظام في معظم أرجاء الأرض .. وهي وإن تكن ما تزال ضارية في أمريكا ، فمصيرها هو المصير المحتوم الذي ذاقته في الدول الأخرى .. لا على أساس الحتمية الاقتصادية أو المادية أو التاريخية .. وإنما على أساس سنة الله ! إنها تجاوزت مداها في الشر فلا بد أن تنهار ! وأما الشيوعية – الجديدة التي ما تزال تعتبر " بنت اليوم " وأحدث مبتدعات الجاهلية – فقد بدأت كذلك تنهار .
صرح خروشوف في مارس سنة 1964 بأنه لا بد من القضاء على فكرة المساواة المطلقة في الأجور ، وأنه لا بد من استغلال الحافز الفردي لزيادة الإنتاج ، وأن المزارع الجماعية ضعيفة المحصول !
وهذا كلام واضح الدلالة ( ) . إنه " كفر " كمل بالماركسية اللينينية التي قام عليها " المذهب " الشيوعي . إنه " رِدة " إلى نظام آخر .. علمه عند الله . وهذان هما النظامان اللذان يحكمان الجاهلية الحديثة . فإذا انهارا – كمذهب وعقيدة ، بصرف النظر عن قوتهما السياسية الحالية – فلا بد من نظام آخر يملأ الفراغ . فليست العبرة بالقوة السياسية . إنما العبرة بالعقيدة التي تحكم القوة السياسية وتقودها إلى النصر في معترك الحياة .
والنظام الآخر هو الإسلام ! فليس هناك " تجربة " جديدة تجربها البشرية بعد الرأسمالية والشيوعية المتطرفتين من أقصى اليمين وأقصى اليسار إلا النظام " الوسط " الذي سماه الله " الإسلام " ! وسمى أهله " المسلمين " ! " هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " ( ) .
" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّـةً وَسَطاً لِتَكُونُـوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُـونَ الرَّسُـولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " ( ) . تلك كلها بشائر ودلائل على عودة الإنسان إلى الله ..
ولكن هناك ظاهرة " تاريخية " حاضرة أبلغ دلالة من كل هذه الدلالات ! إن من استهزاء الله بهذه الداهلية التي تكيد لدينه في كل الأرض .. أن تبرز في أمريكا – زعيمة الجاهلية الحديثة ، التي ترصد أكبر قواها لمحاربة الإسلام في آسيا وأفريقيا ، وتتخذ لذلك أخبث الوسائل التي استخدمتها الجاهلية في التاريخ كله ، ويتحد فيها الكيد الصليبي والصهيوني ليعمل جاهداً على قتل الإسلام – أن تبرز في أمريكا هذه بالذات ، في عقر دارها ومن بين أهلها القاطنين فيها ، حركة إسلامية شابة تدعو إلى إقامة حكم إسلامي !! وليس بعد ذلك استهزاء من الله – سبحانه – بأولئك الكائدين لدين الله ! لقد جهد الصليبيون والصهيونيون في محاربة الإسلام في داخل " العالم الإسلامي " والقضاء على كل حركة تدعو إلى دين الله ..
وظنوا أنهم ما داموا قد قتلوه في موطنه التقليدي فقد نجوا من هذا العدو المرهوب الذي يرهبون يقظته في أي يوم قريب أو بعيد ! وجلسوا في كراسيهم يهزأون بالله ودينه .. ويفركون أيديهم مسرورين !
ثم .. كانت المفاجأة المذهلة لهم .. في عقر دارهم .. مصيبة لهم لا يعرفون كيف يتخلصون منها وهي تزيد عليهم في كل يوم ، على الرغم مما يوقعونه بأولئك المسلمين من قتل وتعذيب وسجن وتشريد ! وعلى الرغم مما يسلطونه عليها من الدعاية للتشويه والتنفير ؛ وعلى الرغم من كل ما يحاولونه معها من إشاعة التميع فيها ، أو ربطها بالأوضاع التي أقاموها هم في ما يسمى بلاد الإسلام !
وتلك وحدها نموذج لمكر الله الذي أنذر به الكائدين . " وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " ( ) . " أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ " ( ) . * * * وهي كذلك نموذج لما يمكن أن يحدث غداً في البشرية ! إن الجاهلية ظنت أنها قد أبعدت كل ظل لدين الله عن الأرض ! وأن وسائلها الجهنمية قد جعلت مجرد التفكير في الدين خاطراً بعيداً عن ذهن البشرية ! ولكن الناس هم المحكمين في دين الله !
فهذا مثل من أمثلة التوجيه الرباني لفريق من البشر في قلب الجاهلية ويتجرعون كل سمومها .. فإذا هم ينبذون هذه السموم كلها .. ويبحثون عن الله .. ويتوجهون إليه مسلمين . والبشرية غداً في طريقها إلى مثل هذا التحول بشتى الأسباب وشتى الطرق المؤدية إلى الله !
وهو على الله هين هين .. كما نرى في هذا المثل الحاضر الذي نطالع كل يوم أخباره في الصحف والمجلات .. هين على الرغم من كل الكيد الذي تكيده الجاهلية ! فهذا الكيد كله فقاعات فارغة لا وزن لها عند الله سبحانه حين يدبر لدينه في الأرض ! " والله غالب على أمره .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ! * * *
" والمسلمون ! " في العالم " الإسلامي ! " التقليدي يحملون تبعة باهظة أمام الله .. تبعة التهاون في أمر دينهم .. والقعود عن إقامة مجتمعهم الراشد الذي أمرهم به الله .. بل تبعة الانسياق وراء الجاهلية ، واتخاذ أعداء دين الله أولياء .. منهم يستمدون مفاهيم حياتهم ، بل منهم يأخذون النصيحة في أمر هذا الدين ! تبعة باهظة .. لا ينجيهم شيء فيها من عذاب الله .. * * * ثم تزداد هذه التبعة خطورة حين يمضي " المسلمون " سادرين ، في هوانهم ومذلتهم وجهلهم وضعفهم وتهاونهم .. بينما البشرية تتهيأ – غداً – لاستقبال دين الله ! وسيقوم غداً هذا الدين ، وهم في هوانهم ومذلتهم وجهلهم وضعفهم وتهاونهم .. ! " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " ( ) . ولن ينصر الله دينه على يد الضعفاء المهازيل الذين رضوا لأنفسهم الهوان والذل ! إنما هو ينشئ لدينه – حين يريـد – قوماً آخرين يحملون التبعة ويقومون بها على حقيقتها . " إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً " ( ) . وسيحمل هؤلاء " المسلمون ! " التقليديون العار غداً ، حين يرون قوماً آخرين يحملون راية الله وهم على هوانهم مقيمون !
وسواء قام هؤلاء " المسلمون " من نومتهم أم ظلوا فيها .. وسواء كف الكيد المجنون عن الحرب لدين الله ، أم زاد الكيد جنوناً وضراوة .. سيعود الإنسان إلى الله ! سيعود شديد الإيمان .. ! فبقدر الكفر الحاليّ .. بقدر عذابات الناس .. وبقدر ظلام الطاغوت .. سيكون النور .. ! وبشائر هذا النور .. بادية في الظلمات .. وغداً يشرق دين الله ..
وسواء أبصرنا بأعيننا .. في العمر المحدود .. أم كان غداً .. في جيل آخر .. سيعود الإنسان إلى الله ! سيعود شديد الإيمان ! " وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " ( ) | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: قصة البشرية كلها مع الله .. الخميس 26 نوفمبر 2009, 8:22 pm | |
| الأعياد الإسلامية مقاصدها وآدابكانت الأمم الماضية تعرف الأعياد لهوًا ولعبًا، وشرابًا وطربًا، وجلبة وصخبًا، بل إن بعض الأديان القديمة كانت تتخذ أعيادها الدينية من مادة الإباحية المستهترة، والفوضى الخلقية السافرة، ناهيك بأعياد (باكوس) عند قدماء اليونان، ثم عند الرومان، وهي أعياد كانت تكرر أكثر من مرة في كل عام، وكان يفرض فيها على الرجال والنساء أن يخلعوا جلباب العفة والحياء، وأن يتحرروا من كل قيود الغيرة والشرف، وأن يطلقوا العنان لغرائزهم الحيوانية الدنيا لكي تقضي لبانتها علنًا جهارًا، إرضاءً لآلهتهم فيما يزعمون، حتى أن من تأبّى أو تعفف عن المشاركة في هذه الملاهي الداعرة حكم علية رؤساء الدين أن يدفن حيًا في مغارات بعيدة وسراديب مجهولة إلى أن يأتيه الموت أو يقضي الله قضاءه فيه. وفي الطرف الأقصى المقابل لهذه المادية الجامحة ترى الروحية الزاهدة المنطوية المنزوية تكتفي في تجديد ذكرياتها المقدسة، إما بترديدها في داخل النفس، وإما بالتعبير الخافت عنها في زوايا المعابد، ترتيلاً لبعض الدعوات، أو أداءً لبعض المراسم والإشارات. ويجيء الإسلام بموازينه العادلة ومعاييره الدقيقة الفاصلة، فيلقى على فكرة الأعياد ضوءًا جديدًا، يبعد بها عن انحلال المادية وفجورها، وعن تزمت الروحية وفتورها، يجمع ما في كلتا النزعتين من خير وسداد، وينفي ما في كلتيهما من خلل وفساد، ثم يضيف إليها عناصر صالحة أخرى، ويؤلف من جملة ذلك صورة حية قوية جميلة في نطاق من الطهر والكرامة والصون والعفاف. فالصبغة الأولى للأعياد الإسلامية صبغة روحية، لكنه روح غير صامت ولا خافت، إنه روح صادح متوثب، استمع إلى هذا النشيد القوي الذي يتجاوب صداه في الطرقات، على ألسنة الذاهبين إلى العيد أفرادًا وجماعات، وفي المساجد على السنة المصلين أو المنتظرين لصلاة العيد، وفي البيوت على ألسنة المصلين عقب صلواتهم المكتوبة في أيام التشريق، وفي منى عند الجمرات على ألسنة الحجاج، استمع إلى هذا النشيد: إنه يفجر الروح وانطلاقها فرحًا وابتهاجًا بإتمام رحلتها الشاقة الموفقة، رحلة الصوم أو رحلة الحج، ثم استبشارًا وتطلعًا إلى المستقبل بعين الثقة والأمل، إنه شعار الإنتصار الروحي في التجربة الماضية، والتصميم على متابعة هذا الانتصار الروحي في التجارب المقبلة: الله أكبر ولله الحمد. هذا العنصر الروحي الحماسي يطالبنا الإسلام بأن نبرز جوهره في مظهر من الزينة والجمال، وفي جو من المتعة والرفاهية البدنية، في غير إسراف يشوه كماله، ويقلبه إلى ضده. نعم، لقد كانت فريضة التقشف والحرمان ضريبة محتومة في زمن الصوم وزمن الحج، فإذا جاء يوم العيد فلا تقل: قد حل ما كان محرمًا. ولكن قل: قد وجب ما كان محرمًا وحرم ماكان واجبًا: نعم، لا صوم اليوم ولا حرمان من الطيبات: (كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية)، ثم لا تقشف اليوم ولا حرمان من الطيب والزينة فليأخذ كل منا أحسن زينته، وليظهر أثر نعمة الله عليه، فهذا يوم إظهار النعم، ثم لا تزمت ولا حرمان اليوم من اللعب واللهو البريء المباح: يروي أصحاب السنن عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: "قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر..". ويروي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، وعندي جاريتان تغنيان، فلم يقل شيئًا، ولكنه اضجع على الفراش وحول وجهه، ثم دخل أبو بكر فانتهرني، وقال: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "دعهما يا أبابكر، إنّ لكل قوم عيدًا وهذا عيدُنا". قالت عائشة: وكان السودان يلعبون بالدّرَق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال هو لي: "تشتهين تنظرين؟" قلت: نعم فأقامني وراءه ورأسي على منكبيه وخدي على خده، حتى إذا مللت قال "حسبك؟" قلت: نعم. ولا يفوتني أن أقول في صدد هذا اللون من اللعب المشار إليه في حديث عائشة أنه ليس لهوًا سائغًا مرخصًا فيه فحسب، بل إنه متى صلحت فيه النية كان عملاً يندب إليه الإسلام، ويحضُّ عليه كما يحضُّ على الرماية والسباحة والعَدْو و ركوب الخيل، وسائر ضروب الرياضة البدنية النافعة، فإنها تكسب صاحبها مضاءً في العزيمة، ومناعة في البدن، وتجعل منه جنديًا معدًا لحماية الدين والوطن، فما أحرانا بأن نحيي هذه السنن الكريمة في أعيادنا. هكذا تلتقي في الأعياد الإسلامية روحيتها المنطلقة السامية، وماديتها النافعة الجميلة الطاهرة البريئة، على أن الإسلام لم يكتف في أعياده بهذين العنصرين حتى عززهما بثالث هو آكد الجميع عنده وأحبها إليه، ذلك هو المعنى الاجتماعي الإنساني الذي جعل به الأمة جسدًا واحدًا. لا بوحدة شعارها وشعورها فحسب، ولا بمظهر اجتماعها الباهر في شعائر الذكر والصلاة وكفى، ولا بهذا التلاقي الأليف الودود، والباش الباسم الذي نُدب إليه كل مسلم يلاقي أخاه في يوم العيد، ولكن بمعنى أقوى من ذلك كله: بنظام المشاركة المالية الفعلية التي شرعها في ذلك اليوم بين أعضاء الجماعة؛ ترفيهًا عن المعوزين منهم وإغناءً لهم عن ذل السؤال يومئذٍ، تلك هي شريعة الزكاة في عيد الفطر، وشريعة الضحية في عيد النحر: (فصل لربك وانحر)، (قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى). أما بعد: فقد ناديت بوجوب تنظيم هذه المبرَّة الإسلامية التي كثيرًا ما يُحرم آثارها مستحقوها، وكثيرًا ما يتكرر بذلها إلى غير مستحقيها. لقد ناشدت حكومات الإسلام ومؤسساته الاجتماعية أن تتولى بنفسها جمع هذه الملايين المبعثرة، وتوزيع ما ينبغي منها على من يستحق، ثم وضع ما يفضل من حصيلتها في صندوق تُدعم به المشروعات الاجتماعية الكبرى، ولقد ناشدت أولي الأمر أن يقوموا في أيام الأعياد على الأخص بحملة تطهير تخلى بها الطرقات العامة، وأبواب المساجد، وأبواب البيوت من تلك الأيدي الممدودة للسؤال، تلك الوصمة التي تشوه جمال العيد وتتحدى النظام المثالي الذي وضعه الإسلام للتفادي من هذه المأساة. | |
|
علي تكنو المــديــر الــعام
رساله sms : عدد المساهمات : 1467
| موضوع: رد: قصة البشرية كلها مع الله .. الخميس 13 مايو 2010, 3:53 pm | |
| | |
|