جليس القمر عضو لامع
عدد المساهمات : 447
| موضوع: تفسير الايات من سورة هود عن قوم لوط الأحد 15 نوفمبر 2009, 11:52 am | |
| فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} (سورة هود:78) نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا فيهم خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء. وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه قبل أن يسألوه عنه. فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد: {لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} (سورة هود:79) يقولون ـ عليهم لعائن الله ـ: علمت يا لوط أنه أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا. واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {لو أن لي بكم قوة أو آوى إلي ركن شديد} (سورة هود:80) ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب. وقد قال الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطاً؛ لقد كان يأوي إلي ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلي ركن شديد ـ يعني: الله عز وجل ـ فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه" وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أو لم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} (سورة الحجر:67ـ71) فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيئاتهم. هذا وهم في ذلك لا ينتهون لا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون. ولهذا قال تعالى مقسماً بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} (سورة الحجر:72) وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر} (سورة القمر:36ـ38) ذكر المفسرون وغيرهم: أن نبي الله لوطاً عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم والباب مغلق، وهم يرمون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال وقال ما قال: {لو أن لي بكم قوة أو آوى إلي ركن شديد} (سورة هود:80) لأحللت بكم النكال. قال الملائكة: {يا لوط إنا رسل لن يصلوا إليك} (سورة هود:81) وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم، حتى قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولا عين ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون إذا كان الغد كان لنا وله شأن!. قال الله تعالى: {ولقد راوده عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر} (سورة القمر:37ـ38) فذلك أن الملائكة تقدمت إلي لوط، عليه السلام، آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل: {ولا يلتفت منكم أحد} (سورة هود:81) يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم. وقوله: {إلا امرأتك} (سورة هود:81) على قراءة النصب؛ يحتمل أن يكون مستثنى من قوله: (فأسر بأهلك) كأن يقول إلا امرأتك فلا تسر بها، ويحتمل أن يكون من قوله: (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم، ويقوى هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى. والله أعلم. قال السهيلي: واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة". وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة، الملعونين النظراء، والأشباه الذين جعلهم الله سلفاً كل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب} (سورة هود:81) فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه. فالله أعلم. فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكانت عند شروقها، جاءهم من أمر الله ما لا يرد، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد. وعند أهل الكتاب: أن الملائكة أمروه أن يصعد إلي رأس الجبل الذي هناك فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلي قرية قريبة منهم فقالوا: اذهب فإنا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلي قرية "صوعر" التي يقول الناس: غور زغر، فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب. قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها وسافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضودٍ * مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيدٍ} (سورة هود:82ـ83) قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ـ وكن سبع مدن ـ بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربعمائة ألف نسمة، وقيل أربعة آلاف ألف نسمة، وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأرض والأماكن والمعتملات. فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها. {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} (سورة هود:82) والسجيل: فارسي معرف، وهو الشديد الصلب القوي، منضود: أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم من السماء، مسومة: أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ثم قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} (سورة الذاريات:34) وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين} (سورة الشعراء:173) وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشي} (سورة النجم:53ـ54) يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة، مسومة، مرقوم على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط من الحاضرين منهم في بلدهم، والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها. ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها، ويقال: أنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة، التفتت إلي قومها وخالفت أمر ربها قديماً وحديثاً، وقالت: واقوماه! فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها؛ إذ كانت على دينهم، وكانت عيناً لهم على من يكون عند لوط من الضيفان. {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} (سورة التحرير:10) أي: خاتناهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا، فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغي امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيراً. قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر، ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذا سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} (سورة النور:15ـ16) أي: سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة. وقوله هاهنا: {وما هي م الظالمين ببعيد} (سورة هود:83) أي: وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلي أن اللائط يرجم؛ سواء كان محصناً أو لا، ونص عليه الشافعي واحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة. واحتجوا أيضاً بما رواه الأمام احمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وذهب أبو حنيفة إلي أن اللائط يلقي من شاهق جبل ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط لقوله تعالى: {وما هي م الظالمين ببعيد} (سورة هود:83) وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره، وكذب رسله، واتبع هواه، وعصي مولاه، ودليل على رحمته بعباده المؤمنين في إنجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من الظلمات إلي النور، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (سورة الشعراء:174ـ175) وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين} (سورة الحجر:73ـ77) أي: من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله بتلك البلاد وأهلها وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالكة غامرة. كما روي الترمذي وغيره مرفوعاً: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} (سورة الحجر:75) وقوله: (وإنها لبسبيل مقيم) أي: لبطريق مهيع مسلوك إلي الآن. كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل، أفلا تعقلون} (سورة الصافات:137ـ138) وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} (سورة العنكبوت:35) وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم} (سورة الذاريات:35ـ37) أي: تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة، وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فانزجر من محارم الله وترك معاصيه، وخاف أن يشابه قوم لوط. و"من تشبه بقوم فهو منهم"، وإن لم يكن من كل وجه، فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد فالعاقل اللبيب الخائف من ربه الفاهم، يتمثل ما أمره به الله عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال، وإياه أن يتبع كل شيطان مريد، فيحق عليه الوعيد، ويدخل في قوله تعالى: {وما هي م الظالمين ببعيد} (سورة هود:83) | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: تفسير الايات من سورة هود عن قوم لوط الأحد 15 نوفمبر 2009, 3:21 pm | |
| تعريف الغضب عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا وإشكالا قال المناوي –رحمه الله تعالى – " والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي التصور "ا.هـ ( ) ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك : قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البانا غير مؤدب يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها " ا.هـ ( ) وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر .( ) وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه .
أسباب الغضب : بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جدا ، والناس متفاوتون فيها ، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا ، فمِن أسباب الغضب :
أولا : العُجب : فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر ) ( ) وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام )( ) وعن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع )( ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع" ( ). وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة " ( ).
ثانيا / المراء : قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب " ا.هـ ( ) وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا )( )
ثالثا : المزاح إن المـزاح بدؤه حلاوة : لكنما آخـره عـداوة يحتد منه الرجل الشريف : ويجتري بسخفه السخيف ( ) فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه : إما بكلام لا فائدة منه ، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم يزعم بعد ذلك أنه كان يمزح ؛ لذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادا ولا لاعبا ) ( ) وقال أبو هقان : مازح صديقك ما أحب مزاحا : وتوق منه في المزاح مزاحا فلربما مزح الصــديق بمزحة : كانت لباب عداوة مفتاحا ذكر خالد بن صفوان المزاح فقال : يَصُكُّ أحدكم صاحبه بأشد من الجندل , ويُنشقه أحرق من الخردل , ويُفرغ عليه أحرَّ من المرجل ثم يقول : إنما كنت أمازحك . قال محمود الوراق : تَلََقَّى الفتى أخاه وخدنه : في لحن منطقه بما لا يُغتفر ويقول كنت ممازحا وملاعبا : هيهات نارك في الحشا تتسعر ألهبتها وطفقت تضحك لاهيـا : مما بـه وفؤاده يتـفطر أو ما علمت ومثل جهلك يتقى : أن المزاح هو السباب الأكبر( ) وقال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى – " إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة "( ) واحذر ممازحة تعود عداوة : إن المزاح على مقدمة الغضب وقال ميمون بن مهران –رحمه الله تعالى- " إذا كان المزاح أمام الكلام كان آخره اللطم والشتام " .
رابعا : بذاءة اللسان وفحشه : بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور , ويثير الغضب ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض الفاحش البذيء )( ) . ومن أسباب الغضب أيضا : الغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه قال الغزالي -رحمه الله تعالى- " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال : تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكِبر همة "ا.هـ( ).
أنواع الغضب : الأول : الغضب المحمود : وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) . أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله –تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل- ( ). ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .( ) ، وما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث )( ) . وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق .
الثاني : الغضب المذموم : وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ، وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52) .
الثالث : الغضب المباح : وهو الغضب في غير معصية الله –تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة ( ). وتغضب حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب ( ) وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه ( ). قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " ا.هـ ( ) | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: تفسير الايات من سورة هود عن قوم لوط الأحد 15 نوفمبر 2009, 3:23 pm | |
| درجات الناس في قوة الغضب : الأولى : التفريط : ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها . الثانية : الإفراط : ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار . الثالثة : الاعتدال : وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين ( ).
علاج الغضب : ( ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء )( ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب : أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان قال تعالى ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36) عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه – قال : كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه , وانتفخت أوداجه , فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له : إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعوذ بالله من الشيطان ) فقال : وهل بي جنون .( ) . قال ابن القيم -رحمه الله تعالى – " وأما الغضب فهو غول العقل يغتاله كما يغتال الذئب الشاة وأعظم ما يفترسه الشيطان عند غضبه وشهوته " ا.هـ( )
ثانيا : تغيير الحال عن أبى ذر -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) ( ).
ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله تعالى " ومن الأمور النافعة أن تعلم أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة لا تضرك بل تضرهم إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها , وسوغت لها أن تملك مشاعرك , فعند ذلك تضرك كما ضرتهم , فإن أنت لم تصنع لها بالا , لم تضرك شيئا " . يخاطبني السفيه بكل قبح : فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة وأزيد حلما : كعود زاده الإحراق طيبا عن ابن عباس -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ( علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ) ( ). قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " وهذا أيضا دواء عظيم للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره , فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده , وما أحسن قول مورق العجلي -رحمه الله- ما امتلأتُ غضبا قط ولا تكلمتُ في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت " ا.هـ( ) قال سالم ابن ميمون الخواص : إذا نطق السفيه فلا تجبه : فخير من إجابته السكوتُ سكتُّ عن السفيه فظن أني : عييتُ عن الجواب وما عييتُ شرار الناس لو كانوا جميعا : قذى في جوف عيني ما قذيتُ فلستُ مجاوبا أبدا سفيها : خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ ( ) وقيل : ولقد أمر على السفيه يسبني : فمررت ثـمَّتَ قلتُ لا يعنيني وقال الصفدي : واستشعر الحلم في كل الأمور ولا : تسرع ببادرة يوما إلى رجل وإن بليت بشخص لا خلاق له : فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
رابعا : الوضوء عن عطية السعدي -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن الغضب من الشيطان ؛ وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )( ) . وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا ( ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق وضوء )( ) .
خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده الله تعالى لمن كتم غيظه وغضبه كان سببا في ترك الغضب والانتقام للذات , وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها : 1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده قال تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134) ومرتبة الإحسان هي أعلا مراتب الدين . وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر عليه برحمته وأدخله في محبته ) قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : ( مَن إذا أُعطي شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر ) ( ). 2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة عن أبي الدرداء -رضي الله عنه – قال : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : ( لا تغضب ولك الجنة ) ( ). 3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( مَن كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء ) ( ) . 4/ النجاة من غضب الله تعالى عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال ( لا تغضب ) ( )فالجزاء من جنس العمل ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه. وقال أبو مسعود البدري –رضي الله عنه- : كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي ( اعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت من الغضب قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا هو يقول : ( اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ) قال : فألقيت السوط من يدي . فقال : ( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال : فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا ( ) . وكان أبو الدرداء –رضي الله عنه - يقول " أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب واحذر أن تظلم من لا ناصر له إلا الله " ا.هـ( ) 5/ زيادة الإيمان قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا ) ( ). 6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (ما من جرعة أعظم أجرا ثم الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ) ( ) . قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: " ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ، وذلك لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم ، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم ، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب ، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن ، ولهذا يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ، ويصفر عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز " ا.هـ ( )
سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) فمن اطمئن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب قال عكرمة -رحمه الله تعالى -في قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )(الكهف:24) " إذا غضبت " ( ).
سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أوصني . قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال (لا تغضب ) ( ) . وهنيئا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين ، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله تعالى-" هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي , وهو يريد أن يوصيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بكلام كلي , ولهذا ردد . فلما أعاد عليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- , عرف أن هذا كلام جامع , وهو كذلك ؟ فإن قوله : ( لا تغضب ) يتضمن أمرين عظيمين : أحدهما : الأمر بفعل الأسباب , والتمرن على حسن الخلق , والحلم والصبر , وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق , من الأذى القولي والفعلي . فإذا وفق لها العبد , وورد عليه وارد الغضب , احتمله بحسن خلقه , وتلقاه بحلمه وصبره , ومعرفته بحسن عواقبه , فإن الأمر بالشيء أمر به , وبما لا يتم إلا به , والنهي عن الشيء أمر بضده , وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه , وهذا منه . الثاني : الأمر - بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه : فإن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده , ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه . فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب . فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة , فكأنه في الحقيقة لم يغضب . وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية , والقوة القلبية " ا.هـ ( ) قال ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان -رضي الله عنه -فقال : يا أبا عبد الله أوصني . قال : لا تغضب . قال : أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك . قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك .( )
ثامنا : النظر في نتائج الغضب فكثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص , كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال " لذة العفو يلحقها حمد العاقبة , ولذة التشفي يلحقها ذم الندم " ( ). وقيل : من أطاع الغضب أضاع الأرب . وقال الكريزي : ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم : عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب ( ) وقال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " والغضب هو غليان دم القلب المؤذي عنه خشية وقوعه أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه ، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان ، وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش , وربما ارتقى إلى درجة الكفر كما جرى لجبلة بن الأيهم " ا.هـ( ) وكثيرا ما نسمع أن والدا قتل ولده ، أو ولدا قتل والده فضلا عن غيرهم بسبب الغضب ، وكم ضاع من خير وأجر وفضل بسبب الغضب ، وكم حلت من مصيبة ودمار وهلاك بسبب الغضب ، وبسبب ساعة غضب قطعت الأرحام ، ووقع الطلاق ، وتهاجر الجيران ، وتعادى الإخوان ، وقامت بين الدول الحروب ... عن وائل -رضي الله عنه- قال : إني لقاعد مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( أقتلته ) ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة . قال : نعم قتلته . قال : ( كيف قتلته ) ؟ قال : كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته .( ) قال مروان بن الحكم في وصيته لابنه عبد العزيز : " وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب ، واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليما ذا أناة " ا.هـ( ) . وكتب عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى-إلى عامل من عماله " أن لا تعاقب عند غضبك ، وإذا غضبت على رجل فاحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه " ا.هـ( ) قال ابن القيم -رحمه الله تعالى – " إن الغضب مرض من الأمراض ، وداء من الأدواء فهو في أمراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في أمراض الأبدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه " ا.هـ( ) وقال -رحمه الله تعالى – " إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح ، أَوْثِقْ غضبك بسلسلة الحلم فإنه كلب إن أفلت أتلف " ا.هـ( ) وقال المعتمر بن سليمان : كان رجل ممن كان قبلكم يغضب , ويشتد غضبه فكتب ثلاث صحائف , فأعطى كل صحيفة رجلا , وقال للأول : إذا اشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة وناولنيها . وقال للثاني : إذا سكن بعض غضبي فناولنيها . وقال للثالث : إذا ذهب غضبي فناولنيها . وكان في الأولى : اقصر فما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا . وفي الثانية : ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء . وفي الثالثة : احمل عباد الله على كتاب الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك .ا.هـ( )
تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .( ) قال ابن القيم –رحمه الله تعالى – " أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال " ا.هـ( ). وقال ابن تيمية –رحمه الله تعالى – " ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد " ا.هـ( ) وقال الزرقاني -رحمه الله تعالى- " لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ , وقد ثارت عليه شدة من الغضب , فقهرها بحلمه , وصرعها بثباته ، وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه " ا.هـ( ) ليست الأحلام في حال الرضا : إنما الأحلام في حال الغضب وعن أنس -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مر بقوم يصطرعون فقال ( ما هذا ) ؟ فقالوا : يا رسول الله فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – ( أفلا أدلكم على مَن هو أشد منه رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) ( ). ألا إن حلم المرء أكـرم نسبة : تسامى بها عند الفخار حليم فياربِّ هب لي منك حلما فإنني : أرى الحلم لم يندم عليه كريم قال المسترشد بالله في وصيته لقاضيه علي بن الحسين الزينبي " أن يجعل التواضع والوقار شيمته , والحلم دأبه وخليقته , فيكظم غيظه عند احتدام أواره واضطرام ناره مجتنبا عزة الغضب الصائرة إلى ذلة الاعتذار " ا.هـ( )
عاشرا : قبول النصيحة والعمل بها فعلى من شاهد غاضبا أن ينصحه ، ويذكره فضل الحلم ، وكتم الغيظ ، وعلى المنصوح قبولُ ذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما- استأذن الحر بن قيس لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزْل( أي العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ به . فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه , وكان وقافا عند كتاب الله.( ) . قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" وهكذا الغضبان فإنه إذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ، ويفعل ما يفعل ؛ ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك , وكذلك يلطم وجهه , ويصيح صياحا قويا , ويشق ثيابه , ويلقي ما في يده ؛ دفعا لألم الغضب , وإلقاء لحمه منه , وكذلك يدعو على نفسه وأحب الناس إليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاء , وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الإنشاء وهو غير قاصد لمعناها , ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وأنهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم , وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة " ا.هـ( ) والحلم آفته الجهل المضرُّ به : والعقل آفته الإعجاب والغضب | |
|
كرستال الدراجية عضو لامع
رساله sms : عدد المساهمات : 275
| موضوع: رد: تفسير الايات من سورة هود عن قوم لوط الأحد 15 نوفمبر 2009, 3:25 pm | |
| | |
|