الكوارث.. هل هي غضب من الله للصمت عن مآسي المسلمين؟
يوم 18 نوفمبر 2004م كان يوماً مشهوداً لسكان العاصمة المصرية القاهرة، فلأول مرة منذ حوالي مئة عام يشاهدون السماء تموج بأسراب كبيرة من الجراد الأحمر تغزو سماء العاصمة والمدن المصرية المختلفة، وتأكل في طريقها الأخضر واليابس، ما دفع بعض أئمة المساجد للسؤال في اليوم الثاني في خطبة الجمعة من المنابر: هل هذا من علامات غضب الله؟!
فقد اعترف مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية بتعرض مصر منذ بداية أكتوبر 2004م لهجوم من أسراب الجراد الصحراوي، التي وصلت شمال غرب البلاد والصحراء الغربية والواحات، مشيراً إلى أن عددها يتراوح بين 200 و400 مليون جرادة، وقدر وزير الزراعة المصري عدد الجراد، الذي غزا مصر بقرابة 1.6 مليار جرادة.
وترجع خطورة الجراد إلى تكيفه مع البيئات المختلفة، وإمكانية تكاثره بسرعة، وإتلافه للمحاصيل الزراعية، وإصابة مواطنين بأمراض، ويضم السرب الواحد ما لا يقل عن 40 مليون جرادة، تصل في بعض أوقات التزاوج إلى 80 مليون جرادة، فضلاً عن قدرته على الطيران إلى مئات الكيلومترات بمساعدة الرياح النشطة. ولكن العلماء يؤكدون أن الجهاز التنفسي للجراد من أضعف الأجهزة، التي تقاوم المبيدات، ومن السهل معه القضاء على أسراب الجراد.
والحقيقة أن الجراد لم يهاجم مصر وحدها، ولكنه هاجم في توقيت واحد عدة دول إسلامية، منها: مصر، والسودان، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، بل وعبر البحر المتوسط، وهاجم قبرص واليونان !
ولأن عالم مسلمي اليوم يموج بالعديد من الكوارث ( زلازل، وكوارث زراعية، وفيضانات، واحتباس حراري، وتلوث ) فقد بات التساؤل ملحاً علي لأن العديد من المسلمين بسبب ضعف المسلمين تارة وهوانهم علي الأمم الأخرى الكافرة، وصمتهم عن الحق، وعن فساد حكامهم وفجورهم تارة أخرى، فقد كان من الطبيعي أن يتساءل الجميع: هل انتقال غضب الطبيعة والبيئة إلى بلاد المسلمين نذير من الله _تعالى_؟!
بل لقد أصبحت هذه الكوارث أمثلة يضربها العديد من الشباب الغيور على دينه، كدليل على غضب الله بسبب ما يجري لمسلمي العراق من قتل وتمثيل وحرق وهدم للمساجد وإهانات للمسلمين، وما يجري لهم في فلسطين، وفي الشيشان، وفي تايلاند، وحتى هولندا التي لم يتورع أحد مخرجيها الفاسقين (قتل على يد شاب مغربي) عن تصوير فيلم تظهر فيه فتيات محجبات يتعرين، وقد كتبت على أظهرهن آيات قرآنية تحرم الزنا !؟
يقول الله _تعالى_ في كتابه الكريم: "وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ". (الأعراف).
وقد كرر هذه الآيات خطباء العديد من المساجد المصرية فور رؤيتهم سحابة الجراد التي مرت بمصر، والمنتظر أن تعود خلال أيام وفق تقديرات الخبراء، وتحدثوا عن أوضاع العالم الإسلامي وحالته التي يرثى لها من الخنوع واليأس والاستسلام والتقاعس عن طاعة الله _تعالى_ ، واتخاذنا أعداء الله وأعداء الأمة الإسلامية أولياء من دون الله وسط تخاذلنا عن نصرة إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان في فلسطين والعراق والشيشان وغيرها.
بل لقد أصبحت هذه القضية تثار عبر منتديات الإنترنت وعبر رسائل تنقل من الشباب بعضهم لبعض، والجميع يسأل: هل هذا غضب من الله علينا؟ ولماذا هذا الهجوم الغريب للجراد وحالات الفقر المستشرية في العديد من أنحاء العالم العربي وما نشهده من كوارث.. هو لأننا بعدنا عن كتاب الله _تعالى_ وسنة نبيه.. فحين تمسكنا بكتاب الله كنا خير الأمم، وحكمنا العالم وانتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها.. وكان المسلمون منارة للإشعاع الحضاري والإنساني في العالم أكلمه حينما كان العالم الغربي يغرق في بحور الجهل والظلمات والتخلف والانهيار الأخلاقي، وكانت هناك دولة إسلامية قوية الجميع يهابها ليس لكثرتنا آنذاك، ولكن لأننا تمسكنا بحكم الله فأصبحنا به أقوياء لا نخشى في الله لومة لائم، ولكننا اليوم صرنا أضعف من أضعف الأمم لبعدنا عن الله.
لقد عدد أحد هؤلاء المهمومين بشؤون الأمة الإسلامية إمكانيات المسلمين في عالم اليوم في رسالة وصلتني عبر البريد الإلكتروني الجماعي، فقال: إن الأمة الإسلامية تملك إمكانيات متعددة ومختلفة لو أحسنت استغلالها لكانت الرائدة كما كانت دائماً، منها:
القوة البشرية:
فهناك ما يزيد على المليار والربع من المسلمين المؤمنين بعقيدة التوحيد، منتشرين في قارات العالم الست، وإن كانت العبرة بالكيف لا بالكم.
القوة المادية والاقتصادية:
فالأمة الإسلامية تملك الأرض الخصبة، والبحار والبحيرات والأنهار، والعيون والآبار، كما أنها تملك مخزوناً كبيراً من المياه الجوفية، بخلاف ما تملكه من ثروة نفطية هائلة تزيد عن 75% من الاحتياطي النفطي العالمي، وهو المصدر الرئيس للطاقة في العالم وللتقدم الاقتصادي.. ولكننا للأسف أهدرنا هذه الثروة في مظاهر البذخ والضياع ، والأدهى من ذلك أننا وضعنا أموالنا وثرواتنا في البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية حتى أنها تقدر حاليا بأكثر من 2.4 تريليون دولار أمريكي، بينما يعاني ملايين المسلمون من الفقر والبطالة.
القوة العسكرية:
يقدر تقرير "التوازن العسكري" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن عام 2002م تعداد جيوش 14 دولة عربية -ليس بينها العراق- بحوالي مليون و708 آلاف جندي نظامي يعملون في القوات المسلحة لهذه الدول، كما أن هناك ما يزيد على نحو 3 ملايين جندي احتياطي مستعدين لتحمل واجب القتال حين يتم استدعاؤهم لذلك، فضلاً عن القوات شبة العسكرية التي يصل تعدادها في هذه الدول إلى نحو 800 ألف جندي شبة عسكري.
وتضم قائمة الدول التي أحصاها التقرير جميع دول الخليج الست (السعودية وقطر والبحرين والإمارات والكويت وسلطنة عمان)، فضلاً عن مصر وسوريا ولبنان والجزائر والمغرب وليبيا واليمن والأردن، وبحسب نفس التقرير بلغ متوسط إنفاق هذه الجيوش على التسلح عام 2001م نحو 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي لدولها، غير أن هذا الاتفاق يتضاعف في بعض الدول العربية ويقل إلى ربما النصف في بلدان أخرى؛ ففي السعودية مثلاً بلغ الإنفاق على التسلح عام 2001م ما نسبته 14.1% من الناتج المحلي للمملكة، مقابل 3.5% في لبنان (مع العلم أن لبنان تعد من دول المواجهة، وما زال الاحتلال الإسرائيلي يحتل جزءاً من أراضيها في الجنوب المحرر).
ولكن المشكلة – رغم الإنفاق الضخم لهذه الجيوش – أن الجيوش العربية – كما يقول باحث عراقي - رقم صعب في المعارك الإستراتيجية، ولم تعد لها هيبة أمام الدول التي تقرّر أو تقوم باجتياح ذاك القطر العربي أو الأخر، لقد حُيّدت الجيوش العربية بشكل شبه كامل، وأصبحت عبئا على دولها وشعوبها، ولم تكن القضية صدفة، بل نتيجة إستراتيجية اتبعتها الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة ومعها إسرائيل، والدول التي رفعت التكنولوجيا شعار للعصر الحديث، والتي قررت منع تلك التكنولوجيا على الدول العربية والعالم الثالث تقريبا، كي تبقى هذه الدول دون المستوى المطلوب في التطور، وتبقى دائما بحاجة للمساعدة من الدول الكبرى والتي تمتلك التكنولوجيا وأسرارها!!
القوة الروحية:
فالإسلام دين الوسطية "وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" [البقرة:143]، وهو الحامي من الفساد الخلقي والاجتماعي لينقلنا إلى الأمن والأمان والحياة الكريمة الطيبة.
والمشكلة التي لا يدركها أحد أنه حتى لو فقدنا كل هذه القوى المادية الثلاثة الأولي أو ضعفت لتبقي لنا ما هو أهم منها وهو قوتنا في تمسكنا بشرع الله وتحكيمه، الذي ابتعدنا عنه وعن النهج الرباني، وصدق فينا قول رسول الله محمد _صلى الله عليه وسلم_: " يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
وهذه القوة الإيمانية الهامة لا يجب أن تفقدها مع ذلك ونستسلم إلى ما يقال عن أن الله غضب علينا وخلاص وأن أمرنا انتهي؟ فهذه اللغة التي تنتشر بين مسلمي اليوم تنشر بينهم لغة التواكل وعدم القيام بأي تحرك لتلافي ما يغضب الله والقيام بدورهم في إعمار الأرض.. صحيح أن الله يذكرنا بهذه الكوارث والجراد والزلازل كي لا ننسي دورنا ونركن إلى الدنيا والي ظلم ظلمة العصور الحديثة، ولكن هذه تذكره وليست تثبيطاً للهمم كما يصور الأمر دعاة الخنوع .
يجب أن تكون ثقتنا في الله كبيرة، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة فيها الخير وفيها ما يطمئن القلوب ويبعث الأمل في النفوس، أنه إن شاء الله سيكون المستقبل لهذا الدين، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت _بإذن الله_.
لقد بشر الله المسلمين عندما أوحي لرسوله ليبلغ المسلمين وهم في محنة القتال ومهزومين من أعداء قريش بفتح مدينتي تفتح قسطنطينية و روميا، وكانت الرسالة واضحة: إن هذا الدين منصور من الله، وبشرهم في العديد من آيات القران بأن نصر الله قريب وبشرهم بحديث الرسول _عليه الصلاة والسلام _الذي قال فيه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ولعدوهم قاهرين حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».
فقط يجب أن نتحلى بالصبر والعمل لله وننتظر الفرج وأن فرج الله قريب، ولكن لا يجب أبداً أن نركن للدنيا، ولا نخاف من سلاح أمريكا أو بطش الصهاينة، فقد كان المسلمون الأوائل يعانون مثلنا، وأصابهم الضراء، وكان الواحد منهم تقطع يده ولا يرى أمامه بصيص نور من النصر، ولكنه يصر على الشهادة؛ لأن الأيمان في القلب راسخ.
لن يرضي عنا اليهود ولا النصارى ولا كفار اليوم حتى نتبع ملتهم، ولن تقوم لنا قائمة في مواجهتهم أو ينصرنا الله عليهم إلا إذا وقفنا وقفة حق ضد الظلم والباطل داخل بلادنا وفي كل أرجاء العالم؛ لأننا أصحاب رسالة للعالمين كلهم وليس للمسلمين فقط، وحينئذ يفرح المؤمنون، ونعلم أن كوارث الطبيعة نذير لنا.