فها هي في ( ميناء الانتظار) تعطينا درسا في الانتظار الذي لا تخفى آثاره ، انه حارق ولطيف ، انه أمل ويأس وتغرق في حالة من الرقة في ميناءها فتقول :
عندما استمع اليك / وانت تنشدني قصائدك / أغمض عيني / واسبح في كلماتها وصورها /اشعر تارة كأني استمع الى اوركسترا /تعزف انغام روحي .
اذن فهي تلخص حالات الانتظار في حالة واحدة يتشابه فيها اكثر الناس ، ولعل اكثر ما يميز الميناء هو عدم الثبات على حال لكثرة الآتين والراحلين فتشعر بان مقاعدها الاسمنتية تبكي من كثرة التوديع وشدة اللوعات وتقفل قصيدتها بشكل تغلفه الدهشة المطلقة:
أغوص في اعماق الموج / لكي ارى قامتي / تحت الاعماق /فالعيش تحت الاعماق /كالاستقرار فوق القمم.
وفاء الربيعي حالها حال الشعراء القادمين من خطوط النار قلقة وقلقها مخزن هموم الوطن وهي في بدايات نصوصها تغري القارئ على استكمال الرحلة الى ما بعد نهاية الكلمة الاخيرة في القصيدة ، وها هي في قصيدة ( أوراق عمري ) تعيش الهاجس المشترك من خريف العمر وتصوره في يأس وحزن وانكسار :
وانا اجمع اوراق الخريف / تذكرت سنوات عمري /
كانت زاهية باوراقها / برونقها .
ولكن وفاء تظل بالرغم من قسوة الخريف تتشبث بالربيع/ الامل وان كان هذا التشبث بلا مبرر .
وفاء الربيعي تقوم احيانا بدور طفولي فتجمع اشياء متفككة وتربطها ببعضها لتخرج بلوحة ناطقة من الكلمات يضطر القارئ عند قراءتها الى الاتكاء ، ثم انها لا تخاف من القارئ الذي يبحث احيانا عن المتاعب فتعطيه اسهل العبارات واكثرها سلاسة ، ولا تتردد احيانا في تقديم لوحة بالابيض والاسود فقط ، فتؤدي الرسالة بنجاح ايضا وتحدث في القارئ التغيير المطلوب ، ولنراها في قصيدة ( النبض المجروح) تبلغ القمة في التخيل فتلمس النبض وتراه، ولكونها مسكونة دائما بوطنها النائي فانها تختصر بغداد وشارع ابو نواس والناس والمشاعر والصيف والامن والامان في عبارة (رائحة المسكوف ):
الى جرف نهر / تفوح منه رائحة المسكوف /الى ليلة / يكون فيها القمر بدرا /والنجوم التي كانت في ذاكرتي/ حقيقة تزين السماء/ نتسامر سوية /بقصائدنا /التي كتبناها في غربتنا / لنلملم بعضا من احزاننا / ونزيل الكابوس الجاثم فوق صدورنا .
ومن حقها ان تعتبر الغربة كابوسا فهي عراقية ، اعني انها عميقة الحزن ، استثنائية المعاناة وهي تبدو في كتاباتها كساعية بريد تحمل رسائل شعبها الى العالم من خلال معاناة الافراد فتتكلم وكأنها هي التي تعاني وحيدة ، ولغة الانا التي تسيطر على نصوصها لا يبدو موحشا لانها توحدت مع لغة المتكلمين المليئة بالصخب والضجيج ، ويسألها الشعر وتسألها المعاناة: لو كان الامر بايدينا ولو كنا نستطيع ان نزيل الكابوس الجاثم فوق صدورنا فلماذا نلملم بعضا من احزاننا ؟ ولماذا ليس كلها ؟ وماذا نفعل بها بعد ان نلملمها ؟ وقد ذكر لي احد الادباء العراقيين بانه عندما يسير في شوارع المنفى يشعر وكانه يعاني من منع التجول الساري في مدينة الثورة ويسمع اصوات انفجارات حقيقية بمجردالتفكير بوقع اقدام المارة على الرصيف ، انه يحمل الهاجس اينما ذهب .
ووفاء تعلمت من المنفى ان تكون وحيدة والوحدة تجلب هدوءا غير محبب وعندما لا تجد احدا يطرق الباب تتطلع الى النافذة لعل احدا او شيئا او هلاما يتسلل منها وتحاول في قصيدة ( آه ايتها الروح ) ان تستحضر روحها وكأنها تعيش بلا روح وتداعب باناملها خصلات شعرها، تستحضرها اخيرا وتبكي فرحا بلقائها تلك الضائعة بين طيات النسيان ، تستدرجها بمهارة ، تحاكيها تعاتبها :
آه ايتها الروح عذرا /لقد انهكتك /كيف لي ان اعيد /الثقة ما بيني وبينك /أ أفك اسرك / لتنطلقي كطير / سافتح لك نافذة / ساعلمك الطيران .
وتمعن الشاعرة في جدلية الحيرة في الاسود والابيض والليل والنهار والجنة والنار فهي الان شرقية وغربية في ذات الوقت ، تلجأ من حيرتها الى فينوس ، تطلب نصحها ، ترضى باي حكم تصدرها ضدها محكمة الحياة، تعتذر كثيرا ولا تدري بان كثرة الاعتذار يولد الشك والريبة فتكرر : أجانية انا ، أجانية انا وكانها تعلم ان العشق جناية ، وتعلم ان الحياة لا يوثق بها كما قال الشاعر:
ابدا تسترد ما تهب الدنيا فياليت جودها كان بخلا
أجانية انا / عندما تسبح احلامي بزرقة السماء / أجانية انا / عندما اثق بالحياة/ اجانية انا / عندما اغني اغنية الحياة .
ثم تتوسل بفينوس ان تعشقها لانها بداتها بالعشق .
وتظل الشاعرة وحدها التي تعلم ما هي الفائدة من عشق فينوس ، ومن هي فينوس ، وما يمكن ان تقدم لها